ألا ترى أن للشفيع أن يتملك الدار على البائع، ولا يتملك على المشتري، فيراعي زوال ملك البائع، وملك البائع هاهنا زوال بالإجماع، وعن هذا قلنا: إن من أقر ببيع داره من رجل، وأنكر المشتري كان للشفيع أن يأخذها بالشفعة.
وذكر القدوري في «شرحه» : روى عن أبي حنيفة رحمه الله: أنه لا شفعة للشفيع مع شرط الخيار للمشتري.
وفي «القدوري» : أن خيار الرؤية وخيار العيب لا يمنع ثبوت حق الشفعة؛ لأنه لا يمنع زوال ملك البائع، وإن كان المشتري شرط الخيار لنفسه شهراً أو ما أشبه ذلك، فلا شفعة للشفيع عند أبي حنيفة رحمه الله؛ لأن الشراء بشرط الخيار زيادة على ثلاثة أيام فاسد عنده، ولا شفعة في الشراء الفاسد على ما تبين، فإن أبطل المشتري خياره قبل مضي ثلاثة أيام حتى انقلب البيع صحيحاً وجب للشفيع الشفعة، وإن كان الخيار لبائع الدار فلا شفعة للشفيع في قولهم جميعاً؛ لأن خيار البائع يمنع زوال المبيع عن ملكه، فيمنع ثبوت حق الشفعة، وإن كان الخيار لهما يعني للبائع والمشتري، فلا شفعة للشفيع لأجل خيار البائع لا لأجل خيار المشتري.
وإذا اشترى داراً بعبد بعينه أو بعرض بعينه وشرط فيه الخيار لأحدهما، إن شرط الخيار لبائع الدار، فلا شفعة للشفيع قبل تمام البيع سواء شرط الخيار في الدار أو في العبد إن شرط الخيار في العبد؛ فلأن بائع الدار مشترٍ للعبد وثمنه الدار، وخيار المشتري يمنع زوال الثمن عن ملك المشتري بالإجماع، (164أ3) ولو اختلفوا أنه هل يمنع دخول المشترى في ملك المشتري فلم تزل الدار عن ملك البائع بلا خلاف، فكيف يثبت للشفيع حق الشفعة؟
وإن كان الخيار لمشتري الدار، فإنه يجب للشفيع الشفعة قبل أن يجيز البيع سواء شرط له الخيار في العبد، إن شرط له الخيار في الدار؛ فلأن هذا خيار مشتري الدار وخيار مشتري الدار لا يمنع وجوب الشفعة في الدار، وإن شرط الخيار في العبد؛ فلأن مشتري الدار بائع للعبد والثمن هو الدار، وخيار البائع في المبيع لا يمنع زوال اليمين عن ملك المشتري، فتزول الدار عن ملك مشتريه فيثبت للشفيع حق الشفعة فيها، وإن كان الخيار لهما معنى البائع الدار ومشتريها، فلا شفعة لأجل خيار البائع على نحو ما بينا.
إذا اشترى الرجل من آخر داراً على أن المشتري فيها بالخيار ثلاثة أيام فبيعت دار إلى جنبها فللمشترى الشفعة بالإجماع، أما على قولهما فظاهر، وأما على قول أبي حنيفة: فلأنه وإن لم يكن مالكاً للدار المشتري وقت بيع هذه الدار إلا أن له فيها حق الملك.
ألا ترى أن للمشتري أن يمتلكها إذا كان الخيار له وحق الملك يكفي لثبوت حق الشفعة، ألا ترى أن المكاتب يستحق الشفعة سقط خياره؛ لأنه لو لم يسقط خياره بذلك، فإذا فسخ العقد ينفسخ في حقه من الأصل، فتبين أنه أخذها بالشفعة بغير حق فاللتحرز عن ذلك قلنا بأنه يسقط خياره، وإذا حضر الشفيع بعد ذلك أخذ الدار الأولى بالشفعة ولا