قال في «الجامع» أيضاً: إذا اشتري كراً على أنه أربعون قفيزاً فكاله (142أ3) البائع فوجده أربعين قفيزاً وتقابضا فأصاب الطعام ماء من ماء المطر فزاد حتى صار خمسين قفيزاً وأفسد الماء الطعام جاز للمشتري أن يبيعه مرابحة من غير بيان، فإن ولاه رجلاً أو باعه مرابحة على أنه كر فوجده خمسين قفيزاً كان للمشتري منه أربعون قفيزاً، إذ المشروط له هذا القدر، وكان للمشتري خيار الرد بالعيب إن لم يعلم به وقت الشراء، وإن علم ليس له ذلك لرضاه بالعيب.
وإن كان الطعام رطباً وباعها مرابحة على أنه كر فكالها المشتري، فإذا هو ينتقص من الكر، فالمشتري الآخر بالخيار إن شاء ترك بغير شرط عليه، وإن شاء أخذها بحصتها من الثمن، وإن اشترى كراً على أنه أربعون قفيزاً فكاله وقبضه فولاه رجلاً أو باعه مرابحة فلم يكله له حتى أصاب الطعام ماء فزاد عشرة، ثم كاله فوجده خمسين قفيزاً، فالمشتري بالخيار إن شاء أخذ، وإن شاء ترك لتغير المعقود عليه في ضمان البائع على ما مر، ومتى اختار الأخذ أخذ الأربعين قفيراً لما مر أن المشروط له هذا التقدير وسلم ما بقي من الطعام وهو عشرة أقفزة للبائع الثاني، ولو أن البائع الثاني كال الطعام للمشتري الثاني قبل أن يصيبه الماء فكان أربعون قفيزاً ثم أصابه الماء في يد بائعه، فصار خمسون قفيزاً وأفسده الماء، فللمشتري الثاني الخيار لتغير المعقود عليه في ضمان البائع، فإن اختار الأخذ أخذ الكل؛ لأن المبيع قد تعين بالكيل فكانت الزيادة الحاصلة زيادة في المبيع.
ولو باعه قفيزاً من الكراء فأصابه الماء قبل أن يقبضه فللمشتري الخيار، إن شاء قبض من ذلك الكر، وإن شاء ترك، وإن كان قد كال القفيز وأفرزه لما ذكرنا أن الكيل في غير المعين قبل التسليم هدر، فكان له الخيار كما قبل، إلا أن يكون الماء أصاب المقرر دون غيره فيأخذ قفيزاً من اليابس ولا خيار لواحد منهما على ما مر قبل هذا.
رجل اشترى كر حنطة بمئة درهم على أنه أربعون قفيزاً فكاله، فإذا هو أربعون قفيزاً فقبضه المشتري ثم تقايلا البيع ثم اكتاله البائع، فإذا هو يريد أن ينقص قفيزاً، فتصادقا أن ذلك من نقصان الكيل ومن زيادة مع الكيل، فالزيادة مع الأصل للبائع، والنقصان عليه حتى لا يحط بسببه شيء من الثمن.
وكذلك لو أصابه الماء فازداد ورضي به البائع فذلك كله له، إلا أن يكون لم يعلم فله أن يرده بالعيب وتبطل الإقالة ويعود البيع الأول، وكذلك إن كان رطباً وقت البيع وهو كرّ تام ثم جف ونقص عند المشتري ثم تقايلا فاكتاله فانتقص وعلم أنه من الجفاف أو تصادقا عليه فذلك كله للبائع ولا يحط شيء من الثمن.
فرق بين هذا وبين التولية والمرابحة، فإن هنالك جعل للمشتري الثاني ما يتيقن بالكيل ولم يجعل الزيادة والنقصان عليه، ومنها جعل الزيادة والنقصان بعد الإقالة على البائع. والفرق بينهما سواء هو أن الإقالة فسخ في حق المتعاقدين وإعادة إلى قديم الملك، وإنما يجب مراعاة الكيل في المبادلات وفيما يملكه الإنسان بالشراء ابتداء لا فيما يعود إلى قديم ملكه، ألا ترى أنه لو فسخ العقد بخيار الشرط أو بخيار العيب بقضاء أو بغير قضاء لا يعتبر فيه كيل مبتدأ، أما التولية والمرابحة فذلك بيع مبتدأ فيعتبر فيه الكيل