والوجه الثاني: أن هذا تعلم من المصحف في الصلاة، والتعلم في الصلاة، مفسد للصلاة كما لو تعلّم من معلم؛ وهذا لأن التعلم نوعان: تعلم من الكتاب، وهما علم الصحيفتين، وتعلم من معلم، ثم التعلم من المعلم يفسد الصلاة، فكذا من الكتاب، فعلى هذا الوجه نقول: وإن كان المصحف بين يديه، وهو لا يحمله ولا يقلب الأوراق تفسد صلاته عن أبي حنيفة، وأورد الحاكم في «المختصر» مسألة تصلح حجة لأبي حنيفة.
وصورتها: إذا كان لا يحفظ شيئاً من القرآن ويمكنه القراءة من المصحف، لو صلى بغير قراءة يجوز، ووجه الاحتجاج: أن القراءة من المصحف لو كانت جائزة لما جازت الصلاة في هذه الصورة من غير قراءة، ولكن الظاهر من مذهبهما أنهما لا يسلمان بهذه المسألة، وبه قال بعض المشايخ، وأما حديث ذكوان.
قلنا: قوله وهو كان يقرأ من المصحف، هذا قول الراوي ذكره على وجه التعريف لذكوان أي لم يكن ذكوان ممن يقرأ القرآن كله عن ظهر القلب، لكنه استظهر فصار المفصّل فيقرأ في صلاته ويؤمها بالسور القصار، وكان لا يمكنه أن يختم في الصلاة؛ لأنه كان لا يقرأ جميع القرآن عن ظهر القلب، وكان يحتاج في قراءة السور الطوال إلى المصحف؛ لأنه إن كان يقرأ في الصلاة من المصحف، فيكون فيه دليلاً على أنه لا بأس بأن لا يختم القرآن في صلاة التراويح، بخلاف ما اعتاده العوام في يومنا هذا.
ومما يحفظ في هذا المقام، ولو نظر إلى مكتوب في المحراب ينوي القرآن وماثل وفهم قيل: على قياس قول أبي يوسف: لا تفسد صلاته، وعلى قياس قول محمد: تفسد، أصل المسألة، فإذا حلف لا يقرأ كتاب فلان، فنظر فيه حتى فهم؛ عند أبي يوسف لا يحنث، وعند محمد يحنث، وقيل: لا تفسد صلاته إجماعاً، بخلاف مسألة اليمين على قول محمد.
والفرق: أن جواز الصلاة تتعلق بصورة القرآن ولم توجد أما الحنث في قراءة الكتاب تتعلق بالمعنى وهو الفهم، وقد وُجد ثم فرّق بينهما، إذا حلف لا يقرأ القرآن فنظر فيه وفهم، فإنه لا يحنث، وبينما إذا حلف لا يقرأ كتاب فلان، فنظر فيه وفهم، فإنه يحنث.
والفرق عرف في كتاب الأيمان، والله أعلم.
محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة رحمة الله عليهم: في رجل صلى أربع ركعات تطوعاً، لم يقرأ فيهن شيئاً يقضي ركعتين، وهذا قول أبي حنيفة، وقال أبو يوسف يقضي أربع ركعات. واعلم بأن هنا ثمان مسائل.
إحداها: هذه المسألة.
الثانية: إذا قرأ في إحدى الأوليين وإحدى الأخريين.
والثالثة: إذا قرأ في الأوليين.
والرابعة: إذا قرأ في الأخريين.
والخامسة: إذا قرأ في الثلاث الأول.