العبد بعد الإرسال في حاجته في يد المولى حكماً، فلو لم يرجع العبد حتى مات الوالد فالعبد للولد، ولا يصير ميراثاً عن الوالد؛ لأن الأب بنفس الهبة صار قابضاً للابن؛ لأن قبض الهبة قبض أمانة، وقبض الإنسان مال نفسه أيضاً قبض أمانة، فثبوت ما للأب من القبض عن قبض الهبة، وكذلك إذا وهب عبداً آبقا له من ابنه الصغير فما دام متردداً في دار الإسلام جازت الهبة؛ لأنه ما دام متردداً في دار الإسلام فهو في يد المولى حكماً، فيصير قابضاً لابنه بنفس الهبة، في «المنتقى» عن أبي يوسف إذا تصدق بعبد آبق له على ابنه الصغير لا يجوز، وروى المعلى عنه أنه يجوز فحصل عنه روايتان.
وإذا كان العبد في يدي رجل رهنا أو غصبا أو شراء فاسداً فوهبه صاحب العبد من ابنه الصغير لا يجوز، ولم يجعل الأب قابضاً لابنه الصغير بقبض هؤلاء، ولو كان العبد وديعة في يدي رجل فوهبه صاحب العبد من ابنه الصغير يجوز، وجعل الأب قابضاً لابنه بيد مودعه، والفرق: أن يد المودع مادام مشتغلاً بالحفظ يد صاحب الوديعة حكماً، فباعتبار اليد الحكمي يصير قابضاً لولده، أما يد هؤلاء ليست يد صاحب العبد فلا يصير الوالد قابضاً عن ولده بيد هؤلاء.
فإن قيل: أليس أن المودع إذا وهب الوديعة من المودع يجوز ويصير المودع قابضاً بنفس الهبة، ولو كان يد المودع لم يكن قابضاً لنفسه بحكم ذلك اليد.
قلنا: اليد للمودع حقيقة ولكن جعل ذلك اليد يد المودع حكماً لكونه عاملاً له في الحفظ، وذلك يكون قبل التمليك من المودع بالهبة، فأما بعد ذلك فالمودع عامل لنفسه في الإمساك فيصير قابضاً للهبة بيده لا بيد المودع. وفي «فتاوي أبي الليث» رجل وهب لابنه الصغير داراً والدار مشغولة بمتاع الواهب جاز؛ لأن الشرط قبض الواهب، وسيأتي بعد هذا عن أبي (23ب3) حنيفة وأبي يوسف يخالف هذا، وفي «المنتقى» عن محمد: رجل وهب دارا لابنه الصغير وفيها ساكن آخر قال: لا يجوز، ولو كان بغير أجر وكان هو فيها يعني الواهب فالهبة جائزة؛ لأن الساكن إذا كان بأجر بيده على الموهوب بائن بصفة اللزوم فيمنع قبض غيره فيمنع تمام الهبة، بخلاف ما إذا كان ساكنا بغير أجر، وكون الواهب في الدار لا يمنع تمام الهبة؛ لأن الشرط في هذه الصورة قبض الواهب، وكون الواهب فيها يتعذر قبضه ولا ينفيه، وعن أبي يوسف لا يجوز للرجل أن يهب لامرأته، أو أن تهب لزوجها ولأجنبي داراً وهما فيها ساكنان، كذلك الهبة للولد الكبير؛ لأن الواهب إذا كان في الدار فيده بائن على الدار، وذلك يمنع تمام يد الموهوب له، قال: ولو وهبها لابنه الصغير وهو ساكن فيها يعني الواهب جاز وقد مر، وعن أبي يوسف برواية ابن سماعة أن هبته لابنه الصغير في هذه الصورة لا تجوز كهبته لابنه الكبير، وهكذا روي عن أبي حنيفة، وعنه أيضاً في رجل تصدق بأرض قد زرعها على ولده الصغير جاز، وإن كان الزرع لغير الأب فأجازه لا يجوز؛ لأن يد المستأجر بائن على الأرض بصفة اللزوم، وإنها تمنع القبض للصغير بخلاف يد الأب.
الحسن بن زياد عن أبي حنيفة في رجل تصدق بداره على ابنه الصغير وله فيها متاع أو