ولو باع أحد المتفاوضين شيئاً من تجارتهما، ثم إن البائع وهب الثمن من المشتري، أو أبرأه منه؛ جازت في قول أبي حنيفة ومحمد، ويضمن نصيب شريكه، وقال أبو يوسف: يصح في حصته خاصة كالوكيل الخاص إذا وهب الثمن من المشتري، أو أبرأه منه جاز في نصيبه، ولم يجز في نصيب صاحبه إجماعاً، وإذا أخرّ أحد المتفاوضين ديناً وجب لهما جاز تأخيره في نصيبه وفي نصيب صاحبه بالإجماع؛ سواء وجب الدين بعقد المؤخر، أو بعقد صاحبه، أو بعقد لها؛ لأن التأخير من توابع التجارة لا تجد التجارة بداً منه، وقد جعل فعل أحدهما في التجارة كفعلهما، فكذا في توابع التجارة.
ذكر في «المنتقى» : وإذا كان على أحد المتفاوضين دين إلى أجل، فأبطل أحدهما الأجل بطل وحل المال عليها جميعاً. ولو مات أحدهما حل على الميت حصته، ولم تحل حصة الآخر؛ لأن بموت أحدهما بطلت المفاوضة، فإنما حل المال على الميت بعد انتقاض المفاوضة.
وفيه أيضاً: المعلى عن أبي يوسف: إذا كان لرجل على المتفاوضين مال، فأبرأ أحدهما عن صحته، فهما يبرأان جميعاً من المال كله، وإذا اشترى أحدهما شيئاً من تجارتهما، فوجد الآخر به عيباً؛ كان له أن يرده؛ كما وجد الشراء منه حقيقة، وكذلك لو باع أحدهما شيئاً من شركتهما، ثم وجد المشتري به عيباً؛ كان للمشتري أن يردها بالعيب على الشريك الآخر؛ لأن البيع وجد من الآخر حكماً.
ولو وكل أحد المتفاوضين رجلاً أن يشتري له جارية بعينها، أو بغير عينها بثمن مسمى، ثم إن الآخر نهى الوكيل عن ذلك فنهيه جائز؛ لأن عزل الوكيل من جميع التجارة كالتوكيل، ثم فعل أحدهما (138أ2) في التوكيل كفعلهما، فكذا في العزل، فإن اشتراها الوكيل بعد ذلك، فهو مشترٍ لنفسه؛ لأن الوكالة قد بطلت بعزل أحدهما إياه، وإن لم ينهه عن ذلك حتى اشتراها كان مشترياً لهما جميعاً ويرجع بالثمن على أيهما شاء، وكذلك لو وكل أحدهما بأدائه فللآخر إخراجه، ولو أجر أحد المتفاوضين عبداً من تجارتهما كان للشريك الآخر أن يطالب المستأجر بالأجر لما ذكرنا أن فعل أحدهما فيما هو تجارة بمنزلة فعلهما، وللمستأجر أن يطالب الشريك الآخر بتسليم العبد؛ لأن التسليم مضمون على الآجر بعقد التجارة، وكل واحد منهما كفيل عن صاحبه فيما يلزمه بعقد التجارة.
وإن آجر أحدهما عبداً له خاصة من الميراث لم يكن للآخر أن يطالب المستأجر بالأجر؛ لأن فعل أحدهما إنما جعل كفعلهما فيما هو من شركتها؛ ألا ترى أنه لو باع هذا العبد لم يكن للآخر أن يأخذ الثمن كذا ههنا؛ إذا باع أحد المتفاوضين شيئاً من متاع المفاوضة، ثم افترقا، ولم يعلم المشتري بافتراقهما؛ كان له أن يدفع جميع الثمن إلى أيهما شاء؛ لأن المشتري صار وكيلاً من جهة العاقد بتسليم جميع ما عليه إلى شريكه حالة المفاوضة، وافتراقهما عن المفاوضة عزل له عن ذلك، فلا يعمل بدون عمله، وإن علم بذلك لم يكن له أن دفع جميع الثمن إلا إلى العاقد، ولو دفع إلى الشريك الآخر برىء عن النصف دون النصف.