بالإنفاق زيادة على ذلك، بل يأمره بالبيع، وإمساك الثمن.

والحاصل: أن القاضي يفعل بالوديعة ما هو أصلح، وأنظر في حق صاحبها، وإن كان القاضي أمره بالبيع في أول الوصاية جاز، وما أنفق المودع على الوديعة بأمر القاضي، فهو دين على صاحبها يرجع عليه إذا حضر؛ غير أن في الدابة يرجع بقدر قيمة الدابة، وفي العبد يرجع بالزيادة على قيمته؛ لأن الإنفاق على العبد كان بحق العبد، وبحق المولى حفظاً للمالية عليه فلئن كان لا يرجع بالزيادة على القيمة بحق المولى؛ لأنه لا حفظ في حق الزيادة يرجع باعتبار حق العبد؛ لأن الأمر باعتبار حق العبد قد صح، ولهذا يجبر المولى على الإنفاق على العبد بحقه، فأما في الدابة الأمر بالإنفاق صح حفظاً للمالية على المولى؛ لا لحق الدابة.

ألا ترى أن المولى لا يجبر على الإنفاق على الدابة، وفي الزيادة على القيمة لا حفظ، فلهذا لا يرجع بالزيادة، وإن لم يدفع الوديعة إلى القاضي حتى اجتمع من ألبانها شيء كثير له ثمن، وهو يخاف فساده، أو كانت الوديعة أرضاً فأخرجت ثمرة فخاف فسادها، فباع ذلك بغير أمر القاضي، فإن كان في المصر، أو في موضع يتوصل إلى القاضي قبل أن يفسد ذلك الشيء، فهو ضامن، وإن كان في موضع لا يتوصل إلى القاضي قبل أن يفسد ذلك الشيء، فهو ليس ضامن؛ لأن بيعه في الوجه الأول ليس يحفظ؛ بخلاف الوجه الثاني. (131أ2)

ألا ترى أنه لو باع في المفازة ما يتسارع إليه الفساد من مال الغير يجوز بيعه ولا ضمان، وإن لم يكن مأموراً بالحفظ من جهته فلا يجوز بيعه ههنا، وقد أمر بالحفظ أولى، فإن كان في المصر، ولم يرفع الأمر إلى القاضي حتى يبيع، أو كان في المفازة، فلم يبع حتى فسد لا يضمن.

في وديعة «فتاوى أبي الليث» في «العيون» : رجل استقرض من رجل خمسين درهماً، فأعطاه ستين، فأخذ العشرة ليردها، فهلكت في الطريق يضمن خمسة أسداس العشرة؛ لأن ذلك القسط قرض، والباقي وديعة.

وفيه أيضاً: رجل استقرض من رجل عشرين درهماً، فأعطاه مئة، وقال: خذ منها عشرين قرضاً والباقي عندك وديعة ففعل؛ يعني أخذ العشرين منها، وصرفها إلى حاجته، ثم أعاد العشرين من المائة، ثم دفع إليه رب المال أربعين درهماً، وقال له: اخلطها بتلك الدراهم ففعل، ثم ضاعت الدراهم كلها؛ لا يضمن الأربعين ويضمن نفقتها، أما النفقة؛ فلأن العشرين قرض والقرض مضمون، وما جاء من العشرين ملك المستقرض، وقد خلطها بالوديعة، فصار مستهلكاً للوديعة، فأما الأربعون فقد خلطها بإذن صاحب المال.

في غصب «فتاوى أبي الليث» : دفع إلى آخر عشرة دراهم، وقال: خمسة منها هبة لك، وخمسة وديعة عندك، واستهلك القابض منها خمسة، وهلكت الخمسة الباقية يضمن سبعة ونصف؛ لأن الهبة فاسدة؛ لأنها هبة المشاع، والمقبوض بحكم الفاسد مضمونة، فالخمسة التي هلكت نصفها أمانة، ونصفها مضمونة، فيجب ضمان نصفها، وذلك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015