وقال فيه أيضاً: رجل أقر أنه قطع يد عبد رجل خطأ، وكذبته عاقلته في ذلك؛ يعني أن عاقلة المقر كذبت المقر في إقراره، ثم غصبه رجل من مولاه، فمات عنده، فالمولى بالخيار؛ إن شاء ضمن الجاني قيمته في ماله في ثلاث سنين، وإن شاء ضمن الغاصب قيمته أقطع، في ماله حالاً، وضمن الجاني أرش يده، وهو نصف قيمته في ماله، فإن ضمن الجاني قيمته بإقراره، فإنه يرجع الجاني على الغاصب بقيمة العبد أقطع في ماله؛ علل في «الكتاب» فقال: لأن العبد صار للقاطع بجنايته، وهذا دليل على أن (125ب2) ضمان الدم يوجب الملك في المضمون.
ووجه ذلك: وهو أن سبب الضمان هو القطع السابق فيستند الضمان إليه، فثبت الملك من ذلك الوقت، وفي تلك الحالة هو قابل للملك كما في ضمان الغصب، فإنه لا يتقرر إلا عند الهلاك؛ ذلك لما كان عند الغصب السابق أسند إليه، ووقع الملك في المضمون؛ كذا ههنا، ومن المحققين من أصحابنا من قال: لا بل ضمان القتل لا يوجب الملك للضامن في المقتول؛ لأن ضمان القتل يجب مقصوراً على وقت القتل، والقطع السابق إنما يصير قتلاً وقت السراية، فيجب الضمان مقصوراً على حالة القتل، وفي حالة القتل هو غير قابل للملك لكن إن تعذر إثبات الملك في ذاته، أمكن إثباته في بدله وهو الضمان الذي على الغاصب كما قلنا في المدبر إذا غصبه من غاصبة، واختار المولى تضمين الأول؛ كان للأول أن يضمن الثاني، وإن لم يملك الأول بالمدبر بأداء الضمان لكن قبل السبب، وإن لم يعمل في حق المدبر لمكان التعذر، يحل في حق بدله، وهو الضمان الواجب على الغاصب؛ كذا ههنا، ثم أوجب الضمان على الجاني ههنا في ماله؛ لأنه وجب بإقراره، والإقرار حجة قاصرة، وإن كانت الجناية ثابتة بالبينة فهذا وما لو ثبتت الجناية بإقرار الجاني سواء، إلا في فعل واحد، وهو أن ما يجب على الجاني في فصل الإقرار يجب على عاقلته في فصل البينة؛ لأن البينة حجة في حق الناس كافة، فثبتت الجناية في حق العاقلة؛ كما ثبتت في حق غيرها.
رجل غصب من آخر شيئاً وغيبه، فطلب المغصوب منه من القاضي تضمينه؛ ذكر في بعض الكتب أن القاضي يتلوم في ذلك يومين أو ثلاثة رجاء أن يظهر ولا يقضي بالقيمة في الحال.
وذكر في «السير الكبير» : في باب ما لم يبطل فيه سهم الفارس أن القاضي يقضي بالقيمة قبل التلوم؛ قال شيخ الإسلام في شرح «السير» : ما ذكر في «السير» جواب الجواز يعني لو قضى بالقيمة قبل التلوم يجوز، وما ذكر في بعض الكتب جواب الأولوية؛ يعني الأولى أن يتلوم القاضي، ثم يقضي بالقيمة، والله أعلم بالصواب.
وقد تم كتاب الغصب من المحيط بحمد الله تعالى.