سئل محمد بن المقاتل عن رجل سرق (الماء) ، وساقه إلى أرضه وكرمه أنه يطيب له ما خرج بمنزلة رجل غصب شعيراً أو تبناً، وسمن به دابته، فإنه يجب عليه مثل ما غصب، وما زاد في الدابة يطيب له، قال الفقيه أبو الليث: وقد حكي عن بعض الزاهدين أن الماء وقع في كرمه في غير نوبته، فأمر بقطع كرمه، ونحن لا نقول بقطع كرمه؛ لأن فيه إفساد المال، ولكن لو تصدق بنزله كان حسناً أما لا يجب عليه التصدق في الحكم.
سئل الفقيه عن رجل زرع أرض رجل بغير إذنه، فلم يعلم صاحب الزرع حتى استحصد الزرع، فعلم ورضي به، هل يطيب للزارع الزرع؟ قال: نعم، قيل له: فإن قال: لا أرضى، ثم قال: رضيت، هل يطيب له؟ قال: يطيب له أيضاً، قال الفقيه أبو الليث: وهذا استحسان وبه نأخذ.
اختلف العلماء في كراهية تعليق الجرس على الدواب، فمنهم من قال بكراهيته في الأسفار كلها الغزو وغيره في ذلك سواء، وهذا القائل يقول بكراهيته في الحضر، كما يقول بكراهيته في السفر، ويقول أيضاً بكراهية اتخاذ الخلاخل في رجل الصغير، والمعنى في ذلك: أن الشيطان يستأنس ويتلهى بصوته، كما يستأنس ويتلهى بصوت المزامير، وقال محمد في «السير الكبير» : إنما يكره اتخاذ الجرس للغزاة في دار الحرب، وهو المذهب عند علمائنا أن تعليق (الجرس) على الدواب إنما يكره في دار الحرب؛ لأن العدو يشعر بمكان المسلمين، فإن كان بالمسلمين قلة يتبادرون إليهم فيقتلونهم، فإن كان بهم كثرة، والكفار يتحرزون عنهم ويتحصنون، فعلى هذا قالوا: إذا كان الراكب في المفازة في دار الإسلام ويخافون من اللصوص يكره لهم تعليق الجرس على الدواب أيضاً حتى لا يشعر بهم اللصوص، فلا يستعدون لقتلهم وأخذ أموالهم، والذي ذكرنا في الجواب في الجرس، فهو الجواب في الخلال، قال محمد رحمه الله في «السير» : فأما ما كان في دار الإسلام فيه منفعة لصاحب الراحلة فلا بأس به، قال: في الجرس منفعة جمة منها؛ إذا ضلّ واحد من القافلة يلتحق بها بصوت الجرس، ومنها أن صوت الجرس يبعد هوام الليل عن القافلة كالذئب وغيره، ومنها أن صوت الجرس يزيد في نشاط الدواب، وهو نظير الحدو، فإنه جوّز؛ لأنه يزيد في نشاط الدواب.
اختلف الناس في ضرب الدف في العرس قال بعضهم: لا بأس لما روي عن عائشة رضي الله عنها (102أ2) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أعلنوا النكاح، واجعلوه في المساجد، واضربوا عليه بالدفوف» وقال محمد بن سيرين: نبئت أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا سمع صوتاً أنكره سأل عنه، فإن قالوا: عرس أو ختان أقره، وقال بعضهم: يكره لقوله عليه السلام: «كل لهو المؤمن باطل إلا ثلاث؛ تأديبه فرسه ورميه عن قوسه وملاعبته مع أهله» قال الفقيه أبو الليث رحمه الله: الدف الذي يضرب في زماننا هذا مع الصنجات والخلاخلات ينبغي أن يكون مكروهاً، وإنما الخلاف في الذي كان يضرب في الزمن المتقدم.