فرض عين وإن بلغهم النفير، وإنما يفترض فرض عين على من كان يقرب من العدو، وهم يقدرون على الجهاد، فأما على من وراءهم يبعد من العدو، فإنه يفرض عليه فرض كفاية لا فرض عين حتى يسعهم تركه إذا لم يحتج إليه، فأما إذا احتيج إليه بأن عجز من كان يقرب من العدو من المقاومة مع العدو، أو لم يعجزوا عن المقاومة إلا أنهم تكاسلوا ولم يجاهدوا، فإنه يفترض على من يليهم فرض عين كالصوم والصلاة ولا يسعهم تركه، ثم إلى أن يفترض على جميع أهل الإسلام شرقاً وغرباً، على هذا الترتيب والتدريج، ونظيره الصلاة على الميت، فإن من مات في ناحية من نواحي البلدة، فعلى جيرانه وأهل محلته أن يقوموا بأسبابه، وليس على من كان يبعد على الميت أن يقوم بذلك، وإن كان الذي يبعد منه يعلم أن أهل المحلة يضيعون حقوقه، أو يعجزون عنه، فعلى الذين يبعدون منه أن يقوموا به، كذا ههنا.
ثم يستوي أن يكون عدلاً أو فاسقاً يقبل خبره في ذلك؛ لأن هذا خبر ينتشر ويشتهر في المسلمين في الحال، وكذا الجواب في منادي السلطان يقبل خبره عدلاً كان أو فاسقاً.
ثم استشهد في «الكتاب» لإيضاح ما تقدم فقال: ألا ترى أن رجلاً لو قطع الطريق على رجل ليأخذ ماله، أو ليقتله، أو أراد امرأة ليفجر بها، وقد حضر ذلك رجل يظن أن به قوة عليه أو أنه ينتصف منه، لم يسعه إلا أن يمنع المظلوم ممن يريد الظلم عليه، وإن كان مع الرجل الذي يريد أن يعينه أبواه فنهياه عن ذلك، فليس ينبغي له أن يطيعهما، ولا يسعهما أن يمنعاه إلا أن يكون به قوة عليه، فإن كان كذلك فليطعهما، وإنما ينبغي طاعة الوالدين في التطوع الذي يسع تركه، فنفاذ برهما أفضل من الجهاد التطوع، فإذا جاءت الفريضة والأمر الذي لا يسع الرجل فيه إلا أن ... لم يلتفت في هذا إلى طاعة الوالدين، وكانت طاعة الله تعالى أحقّ أن يؤخذ بها من طاعة الوالدين.
ولا تسافر المرأة من غير محرم ثلاثة أيام فما فوقها، واختلفت الروايات فيما دون ذلك، قال أبو يوسف: أكره لها أن تسافر يوماً بغير محرم، وهكذا روي عن أبي حنيفة رضي الله عنه، وقال الفقيه أبو جعفر: اتفقت الروايات في الثلاث، فأما ما دون ذلك (100ب2) قال الفقيه أبو جعفر: هو أهون من ذلك، وقال حماد: لا بأس للمرأة أن تسافر بغير محرم مع الصالحين، والصبي والمعتوه ليسا بمحرمين، والكبير الذي يعقل محرم.
ذكر محمد رحمه الله في كتاب الصرف عن أبي حنيفة رضي الله عنه: أنه كان يكره كل قرض فيه جر منفعة، قال الكرخي: هذا إذا كانت المنفعة مشروطة في العقد، وذلك