بجهده ولا يحل له أن يمس وجهها ولا كفها، وإن كان يأمن الشهوة بخلاف النظر؛ وهذا لأن حكم المس أغلظ من حكم النظر، والضرورة في المس قاصرة فلا يلحق المس بالنظر؛ هذا إذا كانت شابة تشتهى.
فإن كانت عجوزاً لا تشتهى فلا بأس بمصافحتها، ومس يدها، والأصل في ذلك ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصافح العجائز في البيعة، ولا يصافح الشواب، ولأن الحرمة في الشواب لخوف الفتنة، ولا خوف في العجائز، وكذلك إذا كان شيخاً يأمن على نفسه وعليها فلا بأس بأن يصافحها، وإن كان لا يأمن على نفسه أو عليها، فليجتنب لما مر من قبل هذا.
ثم إن محمداً رحمه الله أباح المس للرجال إذا كانت المرأة عجوزاً، ولم يشترط كون الرجل بحال لا يجامع مثله فيما إذا كان الماس هي المرأة، قال: إذا كانا كبيرين لا يجامع مثله، ولا يجامع مثلها، فلا بأس بالمصافحة، فليأمل عند الفتوى.
وإن كان عليها ثياب، فلا بأس بأن يتأمل جسدها؛ لأن نظره إلى ثيابها لا إلى جسدها، فهو كما لو كانت في بيت فنظر إلى جدارها، وهذا إذا لم تكن ثيابها ملتزقة بها، بحيث تصف ما تحتها،...... .... ولم يكن رقيقاً بحيث يصف ما تحته، وإن كانت بخلاف ذلك فينبغي له أن يغض بصره؛ لأن هذا الثوب من حيث إنه لا يسترها بمنزلة شبكة عليها، والأصل فيه ما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: لا تلبسوا نساءكم الكتان والقباطي، فإنها إن تشف تصف، وهذا إذا كانت في حد الشهوة، وإن كانت صغيرة لا يشتهى مثلها، فلا بأس بالنظر إليها ومن مسها؛ لأنه ليس لبدنها حكم العورة، ولا في النظر والمس معنى خوف الفتنة، والأصل فيه ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «كان يقبل زب الحسن والحسين في صغرهما» ، وروي: أنه كان يأخذ ذلك من أحدهما، فيجره والصبي يضحك.
ثم النظر إلى الحرة الأجنبية قد يصير مرخصاً عند الضرورة لما عرف: أن مواضع الضرورة مستثناة عن قواعد الشرع، ومن مواضع الضرورة إذا دعي الرجل إلى شهادة يعني أداء الشهادة عليها، وأراد الحاكم أن ينظر إليها ليجيز إقراره عليها، وكان إذا نظر اشتهى، أو كان أكثر رأيه ذلك، فلا بأس بالنظر إليها؛ لأن الشاهد لا يجد بداً من النظر إلى المشهود عليه في أداء الشهادة، ليكون الأداء عن علم، وكذلك القاضي لا يجد بداً من النظر وقت الحكم حتى لا يقع الحكم على غير المستحق عليه.
وكذلك لو أراد أن يتزوجها؛ لا بأس بالنظر إليها وإن كان فيه شهوة، قال عليه السلام للمغيرة بن شعبة حين أراد أن يتزوج امرأة: «انظرها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما» ، ولكن