القراءة، ولا يشغل قلبه كما لا يشتغل لسانه.

وفي «الأصل» : لا ينبغي للقوم أن يشمتوا العاطس ولا أن يردوا السلام (86أ2) يعني وقت الخطبة، وفي صلاة «الأثر» روى محمد عن أبي يوسف: أنهم يردون السلام، ويشمتون العاطس، وتبين بما ذكر في صلاة «الأثر» ، أن ما ذكر في «الأصل» قول محمد.

قالوا: الخلاف بين أبي يوسف ومحمد في هذا بناءً على أنه إذا لم يرد السلام في الحال؛ هل يرد بعد الفراغ من الخطبة؟ على قول محمد: يرد، وعلى قول أبي يوسف: لا يرد، ولما كان من مذهب محمد الرد بعد الفراغ لو اشتغل برد السلام يفوته الاستماع، ولو اشتغل بالسماع يتأخر رد السلام ولا يفوت، والتأخير أهون من التفويت، وعند أبي يوسف لما كان يمكنه الرد بعد الفراغ لو لم يرد السلام في الحال يفوته الرد أصلاً، ولو رد يفوته الاستماع في البعض، ولا شك أن تفويت البعض أهون من تفويت الكل.

وإذا دخل القاضي المسجد، فلا ينبغي له أن يسلم على أحد الخصمين، ولو سلم على الخصوم تسليماً عاماً، فقد اختلف المشايخ فيه؛ بعضهم قالوا: له ذلك، وبه أخذ الخصاف؛ لأن السلام سنة متبعة، ولا يجوز ترك السنة بسبب تقلد العمل، وهذا القائل يقول بأن الأمير أو الوالي إذا دخل المسجد ينبغي أن يسلم، لا يسعه تركه للمعنى الذي ذكرنا، ومنهم من قال: الأولى أن لا يسلم، وهذا القائل يقول في الوالي والأمير أيضاً: إن الأولى لهما إذا دخلا المسجد أن لا يسلما؛ وهذا لأنهم إذا سلموا ترتفع الهيبة وتقل الخشية، ومبنى أمر هؤلاء على الهيبة والخشية، فلا يسلموا حتى تبقى الهيبة والخشية، هذا هو الكلام في وقت دخول المسجد، فأما إذا دخل القاضي المسجد، وجلس ناحية منه لفصل الخصومات؛ لا ينبغي له أن يسلم على الخصوم، ولا ينبغي للخصوم أن يسلموا عليه، أما القاضي؛ لأنه جلس لفصل الخصومة، فلا يشتغل بغيره، فأما الخصوم لا يسلمون؛ لأن السلام تحية الزائرين، والخصوم ما أتوه لأجل الزيارة، إنما أتوه لأجل الخصومة، هكذا ذكر الخصاف في «أدب القاضي» .

بعض مشايخنا قاسوا الولاة والأمراء على القاضي، فقالوا: إذا جلس الوالي والأمير في المسجد أو في بيته، فلا يسلم على الرعية، والرعية لا يسلمون عليه؛ قال الشيخ الإمام شمس الأئمة السرخسي: الصحيح هو الفرق بين القضاة، وبين الأمراء والولاة، فالرعية يسلمون على الأمراء والولاة، والخصوم لا يسلمون على القضاة.

والفرق: أن السلام تحية الزائرين، والخصوم ما تقدموا إلى القاضي زائرين، فأما الرعية تقدموا إلى الأمير والوالي زائرين.

فعلى قول هذا الفرق لو جلس القاضي للزيارة، فالخصوم يسلمون عليه، ولو جلس الأمير لفصل الخصومة، فالخصوم لا يسلمون عليه، ولو سلم الخصوم على القاضي بعدما جلس ناحية من المسجد للقضاء، فلا بأس بأن يرد عليهم السلام، وهذا إشارة إلى أنه لا يجب عليه رد السلام؛ وهذا لأن الرد جواب السلام، والسلام إنما يستحق الجواب إذا كان في أوانه، أما إذا كان في غير أوانه فلا؛ ألا ترى أن من سلم على المصلي لا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015