وديعة عنده لفلان، والمودع لا ينازع المالك فيما كان وديعة عنده.

وإن كان الذي في يديه الجارية فاسقاً يتحرى، (فإن تحرى) ووقع تحريه على أنه كاذب (79أ2) لا ينبغي له أن يشتريها منه، وإن وقع تحريه على أنه صادق، فلا بأس بأن يشتريها منه، وإن لم يقع تحريه على شيء يبقى ما كان على ما كان.

ولو أن صاحب اليد لم يقل هذا القول الذي وصفت لك ولكن قال: إن فلاناً قد كان ظلمني وغصبني الجارية، فأخذتها منه، فلا ينبغي له أن يشتريها منه وإن كان عدلاً؛ لأنه قد ثبت له المنازعة بإقراره؛ لأنه قد أقر أن صاحب اليد غصبها منه، والغاصب منازع للمالك ما لم يرجع عن غصبه بخلاف الفصل الأول؛ لأن ثمة لم يقر بالمنازع؛ لأنه أقر بالوديعة، والمودع لا ينازع المالك في الوديعة؛ لأنه أخذها للحفظ للمالك لا لنفسه.

وإن كان قال: إنه قد ظلمني وغصبني، ثم إنه رجع عن غصبه، وأقر بها لي ودفعها لي، فإن كان ثقة، فلا بأس بأن يشتري منه؛ لأن في هذه الصورة ما أقر بالمنازع، فإنه قال: رجع عن غصبه، وأقر بها لي ودفعها إليَّ، والغاصب بعدما رجع عن الغصب، ودفع المغصوب إلى المغصوب منه لا يبقى منازعاً للمغصوب منه، فلم تثبت المنازع ههنا لا من حيث الحقيقة ولا بإقراره، وقول العدل في المعاملات حجة إذا لم ينازعه فيه أحد، وإن كان الرجل فاسقاً تحرى في ذلك لما قلنا في الفصل الأول.

وإن كان قال: لم يقر بها لي، ولكن خاصمته إلى القاضي، فقامت عليه بينة، فقضى القاضي عليه بذلك، أو استحلفته فنكل، فقضي عليه بهذا، فهذا والأول سواء، وإن كان عدلاً يشتري منه، وإن كان فاسقاً يتحرى؛ لأنه ما أقر بالمنازع ههنا لما قال قضى القاضي بالجارية لي؛ لأن الغاصب لا يبقى منازعاً بعد القضاء ما لم يجحد القضاء، ولم يذكر أنه جحد القضاء.

وكذلك إذا قال: قضى القاضي لي بالجارية، وأمرني فأخذتها من منزله، أو قال: قضى القاضي بالجارية لي، وأخذها منه ودفعها إليَّ، فلا بأس بأن يشتريها منه إذا كان عدلاً؛ لأنه لم يقر بالمنازع، وإن قال: قضى بها القاضي لي فجحد لي قضاءه، فأخذتها منه، فلا ينبغي له أن يشتريها منه وإن كان عدلاً؛ لأنه أقر بالمنازع لما أقر أنه جحد القضاء، فالجاحد يكون منازعاً لا محالة.

قال محمد رحمه الله في «الكتاب» : وهذا بمنزلة ما لو قال الذي في يديه الجارية: اشتريتها من فلان الذي كان يدعيها، ونقدته الثمن، وأخذتها، فإنه حل له الشراء منه إذا كان عدلاً؛ لأنه لا يقر بالمنازع، وإن قال: جحد لي الشراء؛ لا ينبغي أن يشتريها منه وإن كان عدلاً؛ لأنه أقر بالمنازع ههنا.

قال محمد رحمه الله في «الكتاب» أيضاً: وهذا بمنزلة ما لو قال: اشتريتها من فلان، وقبضتها بأمره، ونقدته الثمن، وهو عدل ثقة، فقال له رجل آخر: إن فلاناً جحد هذا الشراء، وزعم أنه لم يبع شيئاً منه، وهذا الثاني عدل ثقة عنده، لا ينبغي له أن يشتريها منه؛ لأنه قد ثبت المنازع بقول الثاني لما كان عدلاً لا فرق بين مسألة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015