امرأة واحدة، فأحبُّ إليَّ أن يتنزه عنها فيطلقها، ويعطيها نصف الصداق إن لم يكن دخل بها، وإن لم يفعل فذلك له واسع.
المسألة الثانية: رجل اشترى جارية، فأخبره مسلم ثقة أنها حرة الأصل، أو أنها أخت المشتري من الرضاعة، فإنه يتنزه عن وطئها، فذلك له أفضل، وإن لم يفعل، فذلك له واسع.
والفرق: أن في أبضاع الحرائر؛ لا يمكن إثبات الحرمة في المحل على سبيل التأبيد إلا بزوال الملك، والملك من حقوق العبد، فلا يثبت زواله إلا بما هو حجة في حق العباد، وهي شهادة رجلين، أو رجل وامرأتين، فأما فيما عدا أبضاع الحرائر يمكن إثبات حرمة الانتفاع مع قيام الملك في الجملة، فلم يكن ثبوت الحرمة متضمناً زوال الملك، فكان هذا إخباراً عن محض الحرمة، وإنها حق الله تعالى، فجاز أن يثبت بخبر الواحد.
قال في مسألة اللحم: ولا يرده على البائع؛ لأن في الرد على البائع إزالة ملك البائع عن الثمن؛ لأنه استوجب الثمن بالعقد قبل هذا الخبر، وقول الواحد ليس بحجة في إبطال ملك الغير.
فإن لم يبعه هذا الرجل، ولكن أذن له في التناول، وأخبره ثقة مسلم أنه ذبيحة مجوسي لم يحل أكله لما قلنا، فإن اشترى بعد ذلك كان على الحالة التي كان عليها قبل الشراء؛ لأن حرمة العين في حقه ثبتت بالخبر الواحد، والبيع لا أثر له في إزالة الحرمة الثابتة في العين، والميراث والوصية والهبة بمنزلة الشراء في الأكل والشرب والوطء وغير ذلك.
قال: ولو أن رجلاً اشترى طعاماً أو جارية أو ملك ذلك بميراث فجاء مسلم ثقة، وشهد أن هذا لفلان الفلاني؛ غصبه البائع أو الواهب أو الميت، فأحب إلينا أن يتنزه عن أكله ووطئها، وإن لم يتنزه كان في سعة.
فرق بين هذا وبينما إذا اشترى لحماً، فأخبره مسلم أنه ذبيحة المجوسي، فإنه يحرم أكلها، وكذلك لو أخبره مسلم ثقة أن هذا الماء نجس، فإنه يحرم استعماله، والفرق: أن في ذبيحة المجوسي، ونجاسة الماء المشهود به حرمة العين، وإنه من حق الله تعالى؛ لأن حق العبد حق لا يزول بإباحة العين، وقد أمكن إثباتها بدون إزالة الملك لما ذكرنا أنه قد يحرم الانتفاع بالعين مع بقاء الملك، فإن العصير إذا تخمر، والدهن إذا وقعت فيه النجاسة يحرم الانتفاع، ولا يزول العصير والدهن عن ملكه، ولما كان هكذا كان المشهود به حرمته هي خالص حق الله تعالى فجاز أن يثبت بالخبر الواحد، أما ههنا المشهود به حرمة ثبتت حقاً للمالك؛ لأن المشهود به كون ما في يد البائع مغصوباً، وشراء المغصوب حرام حقاً للمالك، وكان المشهود به حقاً من حقوق العباد، وشهادة الواحد في حقوق العباد اعتبر حجة في حق التنزه؛ لا في حق الحكم كما في مسألة الرضاع التي ذكرناها.