كان الجانبان مستويين فأما إذا كان (389أ1) الداخل أسفل يحنث في يمينه، وبعضهم قالوا: العبرة للاعتماد إن كان الاعتماد على الرجل الداخلة، وإن كان الاعتماد على الرجل الخارجة لا يحنث. إلا أن في ظاهر رواية أصحابنا لا يصير داخلاً بإدخال أحد الرجلين، وبه (أفتى) الحلواني رحمه الله وشمس الأئمة السرخسي رحمه الله، هذا إذا كان يدخل قائماً. وأما إذا كان مستلقياً على ظهره أو بطنه أو جنبه فقد خرج حتى صار بعض بدنه داخل الدار، إن صار الأكثر داخل، الدار يصير داخلاً وإن كان ساقاه خارج الدار هكذا روي عن محمد رحمه الله. ولو أدخل رأسه دون قدميه لم يحنث. وكذلك لو تناول شيئاً بيده.

وإذا حلف لا يدخل دار فلان فاحتمله إنسان وأدخله وهو كاره لم يحنث. قالوا: وهذا على وجهين: إما أن يكون بحال لا يمكنه الامتناع عنه، أو يمكنه الامتناع، فإن كان لا يمكنه الامتناع عنه لا يحنث في يمينه، لأن شرط الحنث وهو دخوله لم يوجد لا حقيقة ولا اعتباراً، وإن كان يمكنه الامتناع فقد اختلف المشايخ فيه، وينبغي على قياس قول أبي حنيفة وأبي يوسف أنه لا يحنث لما نبين بعد هذا إن شاء الله. هذا إذا احتمله إنسان فأدخله مكرهاً.

فأما إذا هدده بالدخول فدخل بقدميه فقد اختلف المشايخ فيه أيضاً، بعضهم قالوا: لا يحنث، وبعضهم قالوا: يحنث، وبعضهم قالوا: إن أمكنه الامتناع عن الدخول مع هذا دخل يحنث، وإن لم يمكنه الامتناع عنه لا يحنث، ولو احتمله إنسان وأدخله وهو راض عليه إلا أنه لم يأمره بذلك فقد اختلف المشايخ فيه، ووجدت في «المنتقى» عن أبي حنيفة وأبي يوسف أنه لا يحنث، فعلى قياس هذه المسألة فحينئذ يجب أن يكون قولهما فيما إذا دخل مكرهاً أن لا يحنث. وإن كان أمره بذلك يحنث، لأنه وجد الدخول فيه اعتباراً وإن كان يمر بين يدي الدار فزلق رجله فحصل في الدار لم يذكر محمد رحمه الله هذا الفصل في شيء من الكتب. وقد اختلف المشايخ فيه، بعضهم قالوا: يحنث لأن حصوله في الدار مضاف إلى فعله، وقال بعضهم: لا يحنث لأنه حصل في الدار مكرهاً لا باختياره، وصار كما لو احتمله إنسان وأدخله في الدار مكرهاً. وإن دخلها على دابة حنث، إلا أن تكون الدابة قد انقلبت وهو راكبها ولا يستطيع إمساكها فدخلت الدار فإنه لا يحنث في يمينه، لأنه صار مسلوب الاختيار لما انقلبت ولم يمكنه إمساكها.

وإذا حلف لا يدخل بيتاً فدخل المسجد أو الكعبة لا يحنث، وإن سمى الله تعالى الكعبة بيتاً في قوله: {إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة} (آل عمران: 96) وتُسمى سائر المساجد بيوتاً في قوله: {في بيوت أذن اأن ترفع} (النور: 36) لأن اسم البيت للمساجد مجاز، لأن البيت اسم لما اتخذ للبيتوتة، والمسجد ناقص في معنى للبيتوتة فإنه لا يبات (فيه) ، ومطلق الاسم ينصرف إلى الحقيقة. ولذلك لو دخل بيعة أو كنيسة لم يحنث، لأن الكفار إنما بنوا البيعة والكنيسة للصلاة، لا للبيتوتة فلا يكون بيتاً مطلقاً، وإن دخل دهليزاً لم يحنث لأن الدهليز ما بني للبيتوتة فيه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015