قميصين منذ حلفت، وإن كان قد لبس قميص كثير، فإذا لم يظاهر بينهما لصورة أو لمعنى من المعاني، ومثل هذا العرف لم يوجد في المعين، لأن لا يستجيز من نفسه أن يقول ما لبست هذين القميصين منذ خلقت، إذا كان لبسهما على التعاقب، فنعمل في المعينين بإطلاق اللفظ.
وفي «المنتقى» : إذا حلف لا يلبس هذا الثوب، فاتخذها قلنسوة ولبسها لا يحنث في يمينه، لأن اسم الثوب لا يبقى، ولو قطع منه قميصاً ففضل منه فضلة غير القميص قدر لبسه، ولبس القميص يحنث لأن اسم الثوب باق، وما بقي لا يقيد به، فكان لابساً جميع الثوب، وصار كما لو حلف لا يأكل رُمّانة فأكلها إلا حبة أو حبتين حنث استحساناً، وطريقه ما قلنا.
وفي «القدوري» ذكر هذه المسألة فزاد عليها فقال: ولو اتخذه جوارب ولبسها لا يحنث، لأن اسم الثوب ليس بباق، وإذا قال لامرأته رسته ثوبه بوشم وله ثيابٌ اتخذ من غزلها قبل الحلف، وثياب اتخذ من غزلها بعد الحلف فيمينه عليهما الإطلاق اللفظ. وفي «الزيادات» إذا قال عبده حر إن لا يجعل من هذا الثوب خباء وسراويلاً، وجعله خباء ثم نقضه وجعله سراويلاً بر؛ لأن شرط البر أن يجعل من هذا الثوب خباء وسراويلاً مطلقاً غير مقيد بالدفعة والجمع والتفريق وقد وجد؛ لأن اسم الثوب لا يزول بجعله خباءً، ألا ترى أنه لو حلف لا يلبس هذا الثوب فخاطه خباء ولبسه يحنث، وإذا لم يزل اسم الثوب بجعله خباء فإنما جعل السراويل من ذلك الثوب وجعل الخباء منه أيضاً، فوجد شرط البر إلا أن يعني أن يجعل من بعضه الخباء ومن بعضه السراويل فحينئذ إذا فعل كما قلنا يحنث في يمينه، لأنه نوى أن يجعل ذلك بدفعة واحدة، فكان ناوياً المقيد من المطلق وإنه جائز، وفيه تغليظ عليه فيصدق في ذلك.
وحكي عن الشيخ الإمام الجليل أبي بكر محمد بن الفضل البخاري رحمه الله أنه قال: ينظر إلى سابقة كلامه، إن دلت سابقة كلامه على أنه أراد بهذا أن يجعلهما معاً بأن ذكر حذاقة الخياطة، أو سعة الثوب، فهو أن يجعلهما دفعة واحدة، وإن لم يدل فهو على الجملة والتعاقب.
وكان أبو القاسم الصفار يقول: إذا لم يجعل من بعضه خباء، ومن بعضه سراويلاً يحنث على كل حال، لأنه ذكر بكلمة من وكلمة من للتبعيض، إلا أنا نقول من تذكر للتمييز يقال: هذا الخاتم من الحديد، والمراد تمييز هذا الثوب من سائر الثياب.
ولو قال: إن لم يجعل من هذه الملحفة، أو من هذا الإزار أو من هذا الرداء سراويلاً وخباء فكذا فجعلها خباء ثم نقضها فجعلها سراويلاً حنث في يمينه، لأن اسم الملحفة زال بجعلها خباء، فإنما جعل السراويل من الخباء لا من الملحفة، وشرط بره أن يجعله من الملحفة ولم يوجد، وإن كانت الملحفة (388ب1) . لا تسع لهما حنث للحال؛ لأن البر مأيوس الوجود.
وإذا حلف ليقطعنّ من هذا الثوب قميصين، فقطعه قميصاً وخاطه ثم فتقه وقطعه