لأن المجاز صار مراداً ههنا بالإجماع فلا تبقى الحقيقة مراداً لتعذر والجمع بين الحقيقة والمجاز في لفظ واحد.

وبعضهم قالوا: يحنث في يمينه، وهذا القائل ظن جواز الجمع بين الحقيقة والمجاز عندهما، وليس الأمر كما ظن وليس طريق الحنث عندهما في هذه الصورة لو صح من مذهبهما الحنث الجمع بين الحقيقة والمجاز في لفظ واحد، وإنما الطريق العمل بعموم المجاز.

بيانه: وهو أن المنصوص عليه الشرب من الفرات والشرب من الفرات لا يتصور لأنه اسم المكان يجري فيه الماء فيُجعل مجازاً عن شرب الماء الذي يجري في الفرات لكون الفرات محلاً له، ولقيام المجاورة بينهما حال كونه فيه غالباً، ولشرب الماء الذي يجري في الفرات، ومجاورة الفرات طريقان أحدهما: الكرع، والثاني: الاغتراف باليد أو بالإناء فبأي طريق شرب حنث في يمينه، لعموم معنى المجاز لا للجمع بين الحقيقة والمجاز، وهذا كله إذا لم يكن له نيّة فإن نوى الكرع صحت نيته على قولهما في القضاء، وفيما بينه وبين الله تعالى لأنه نوى حقيقة كلام، وإن نوى الاغتراف صحت نيته على قول أبي حنيفة رحمه الله فيما بينه وبين ربه، ولكن لا يصدقه القاضي لأنه نوى المجاز من كلامه، هذا إذا شرب من الفرات كرعاً أو اغترافاً فأما إذا شرب من نهر آخر يأخذ الماء من الفرات كرعاً أو اغترافاً لا يحنث في يمينه عندهم جميعاً.

أما عند أبي حنيفة رحمه الله؛ فلأن يمينه انصرف إلى الحقيقة وهو الشرب من الفرات كرعاً، وأما عندهما فلأنهما إنما عدلا عن الحقيقة لمكان العرف فإن الشرب من الفرات يراد به في العرف الاغتراف من الفرات، أما لا يراد به الشرب من نهر مُتخذ من الفرات فلا يكون الشرب من نهر آخر داخلاً في اليمين.

ولو حلف لا يشرب من ماء الفرات فشرب من الفرات كرعاً أو اغترافاً بيد أو آنية يحنث في يمينه عندهم جميعاً، وكذلك لو شرب من نهر آخر يأخذ الماء من الفرات يحنث عندهم جميعاً في ظاهر الرواية. وروي عن أبي يوسف رحمه الله في غير رواية الأصول أنه إذا شرب من نهر آخر يأخذ الماء من الفرات لا يحنث، فإن كان نوى في قوله لا يشرب من الفرات لا أشرب من ماء الفرات هل تصح نيته حتى لو شرب من نهر آخر يأخذ الماء من الفرات يحنث. لم يذكر محمد رحمه الله هذا الفصل.

وحكي عن الفقيه أبي بكر الأعمش أنه قال: تصح نيته لأنه نوى ما يحتمله لفظه وغيره من المشايخ قالوا: لا تصح نيته لأن الماء غير مذكور نصاً، بهذا الطريق لم تصح نية الثلاث في قوله: أنت طالق وإن صار الطلاق مذكوراً لأنه غير مذكور نصاً.

وإذا حلف لا يشرب من ماء الفرات فصب ماء الفرات في واد لم يتخذ من الفرات إن كان ماء الفرات غالباً يحنث، وإن كان ماء الفرات مغلوباً لم يحنث. هكذا ذكر المسألة في «الجامع» من غير ذكر خلاف، وذكرنا في أول هذا النوع أن المحلوف عليه إذا اختلط بجنسه فعلى قول أبي يوسف رحمه الله هو كالجنس يعتبر الغالب في ذلك، وقد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015