وهو يعلم بموته فإنه ينعقد يمينه إن كان عاجزاً عن تحقيق الصدق، وإذا لم تكن القدرة على تحقيق الصدق فيما أخبر شرطاً الانعقاد اليمين لا يكون كون الخبر محتملاً للصدق شرطاً أيضاً لأن المقصود من كون الخبر محتملاً للصدق هو تحقيق الصدق فيما أخبر، لأن البر به يقع وهو المقصود من اليمين.
وأبو حنيفة ومحمد رحمهما الله قالا: اليمين في الأصل شرعت لإيجاب الصدق في الخبر فيكون محله بحيث يحتمل الصدق لأن محل العقد ما يتصور فيه حكم العقد كمحل البيع فإن محل البيع ما يتصور فيه حكم البيع هو عين هو قال: لأن البيع شرع لإيجاب المال. فكذا اليمين شرع لتحقيق الصدق فيما أخبر وتحقيق الصدق فيما أخبر إنما يكون في خبر يحتمل الصدق، والصدق إنما يتحقق فيما أخبر بالأكل والشرب، والأكل والشرب لا يتحقق، والمأكول والمشروب معدومان فالفعل بدون محله لا بتصور والصدق إنما يتصور بتصور الفعل.
وأما إذا حلف ليقتلن فلاناً وفلان ميت قلنا ذكر محمد رحمه الله مسألة القتل. في «الأصل» على التفصيل فقال: إذا كان الحالف يعلم بموته وقت الحلف يحنث بالإجماع.
وإذا كان لا يعلم بموته فعلى قول أبي حنيفة ومحمد لا ينعقد يمينه، وعلى قول أبي يوسف رحمه الله ينعقد، وفي مسألة الكوز لم يفصل بينما إذا علم الحالف وقت الحلف ليس في الكوز ماء وبينما إذا لم يعلم، فمن مشايخنا من قال مسألة الكوز على التفصيل أيضاً لأن المعنى لا يوجب الفصل بينهم من فرق بينهما، وإطلاق محمد رحمه الله في مسألة الكوز يدل على التفريق، والفرق وهو أن في شأن إزالة الروح والتضييع والجرح فمتى لم يعلم الحالف بموت فلان فقد عقد يمينه على الأمرين على الجرح وانزهاق الروح القائم وقت الحلف وانزهاق الروح القائم وهو ميت مستحيل الكون فلم ينعقد يمينه، وإذا علم موته فقد عقد بيمينه على ما يتأتى فيه وهو الجرح، فإن جرحه فقد بر في يمينه وما لا فلا.
وفي مسألة الكوز ينعقد يمينه على إيجاد الشرب في الماء المشار إليه وإيجاد الشرب في ماء مشار إليه بدون الماء مستحيل الكون، وقد عقد يمينه على ما هو مستحيل الكون فلا ينعقد فلهذا افترقا.
وذكر في طلاق «المنتقى» مسألة القتل على خلاف ما ذكر في «الأصل» . قال: إذا قال الرجل: عبده حر إن لم أقتل فلاناً وفلان ميت، فإن كان يعلم بموته حين حلف فهو بمنزلة يمينه على شرب الماء الذي في هذا الكوز لا ماء فيه فلا يحنث عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله (363ب1) لأنه لم يحلف على شيء، فإن كان لا يعلم بموته حين حلف فهو حانث، وقال أبو يوسف: يحنث في الوجهين.
ولو قال: إن لم أشرب الماء الذي في هذا الكوز فعبده حر، أو قال: فامرأته طالق فأريق الماء أو مات الحالف إن لم يؤقت لذلك وقتاً لزمه الحنث وطلقت المرأة وعتق العبد، وإن وقت لذلك وقتاً بأن قال: اليوم إن أُريق الماء قبل مضي اليوم لا يلزمه الحنث قبل مضي اليوم بالإجماع وهل يلزمه الحنث بعد مضي اليوم؟ على قول أبي حنيفة ومحمد