حلف كاذباً يهلك بسبب اليمين الكاذبة كما أهلك حقه فيكون إهلاكاً، فإذا أهلك كالقصاص وإن يحصل هذا المعنى إذا اعتبر بنية الحالف المستحلف، أما إذا لم يكن المدعى عليه ظالماً فاليمين مشروعة لحق المدعى عليه حتى ينقطع منازعة المدعى معه من غير حجة فيعتبر نية الحالف في ذلك ولهذا يعتبر في اليمين على الحالف على ما قال عليه السلام «من حلف على يمين لا يستثني فالبر والإثم فهما على علمه» يعني إذا حلف وعنده أن الأمر كما حلف عليه ثم تبين خلافه لم يكن، آثما في يمينه ويعتبر فيه ما عند صاحب الحق.
قال الشيخ الإمام الزاهد شيخ الإسلام المعروف بخواهر زاده رحمه الله: وهذا الذي ذكرنا في اليمين بالله، فأما إذا استحلف بالطلاق والعتاق فهو ظالم أو مظلوم فنوى خلاف الظاهر بأن نوى الطلاق عن الوثاق أو نوى العتاق عن عمل كذب أو نوى الإخبار فيه كاذباً فإنه يصدق فيما بينه وبين ربه حتى لا يقع الطلاق ولا العتاق فيما بينه وبين ربه لأنه نوى ما يحتمله لفظه فالله مطلع عليه إلا أنه إن كان مظلوماً لا يأثم الغموس لأنه ما قطع بهذا اليمين حق امرىء مسلم، واذا كان يأثم الغموس، وإن كان ما نوى صدقاً حقيقة لأن هذه اليمين غموس معنى لأنه قطع بها حق امرىء مسلم.
قال القدوري في «كتابه» ما نقل عن إبراهيم أن اليمين على نية المستحلف إن كان الحالف ظالماً فهو صحيح في الاستحلاف على الماض؛ لأن الواجب باليمين كاذباً الإثم فمتى كان ظالماً فهو آثم في يمينه وإن ما يحتمله لفظه لأنه توصل بهذه اليمين إلى ظلم غيره هذا المعنى (362ب1) لا يتأتى في اليمين على أمر في المستقبل فيعتبر فيه نية الحالف على كل حال، رجل قال لآخر: والله لا آتي إلى ضيافتك، فقال رجل آخر للحالف ولا تجىء إلى ضيافتي أيضاً، قال: نعم يصير حالفاً في حق الثاني بقوله: نعم حتى لو ذهب إلى آخر ضيافة الأول وإلى ضيافة الثاني حنث في يمينه.
في «مجموع النوازل» إذا قال لآخر: الله لتفعلن كذا، أو قال: والله لتفعلن كذا، فقال الآخر: نعم، وأراد كل واحد منهما أن يكون حالفاً فكل واحد منهما حالف لأن قوله: نعم جواب. والجواب يتضمن إعادة ما في السؤال فكأنه قال: والله لأفعلن كذا فكان يميناً، وإن أراد المبتدىء أن يكون مستحلفاً، وأراد المجيب أن لا يكون عليه يمين وأن يكون قوله نعم على ميعاد من غير يمين فهو كما نوى ولا يمين على واحد منهما لأن المبتدىء والمجيب كل واحد نوى من كلامه ما يحتمله لفظه، وإن لم يكن لواحد منهما نية ففي قوله: الله، الحالف هو المجيب، وفي قوله: والله الحالف هو المبتدىء.
وفي «المنتقى» إذا قال: الله لتفعلن كذا ولا نية له أن يكون هذا حلفاً ولا استحلافاً فهو على الاستحلاف ولا شيء على واحد منهما إن لم ينو المجيب الحلف، وإن نوى القائل بذلك الحلف فهو حلف منه، وإن قال: والله لتفعلن كذا ولا نية له فهذا حلف من