بيانه: أن الوصية بالعين إذا صحت إن انعقدت على العين كما عتق ولم يتأخر انعقادها إلى ما بعد الموت، كما لو أنشاء الوصية بعد الحرية، فإنما تنعقد للحال إذا جعلت الوصية بالعين وكان العين ملكه إليه وجبت الوصية حتى تبطل الوصية بهلاك المال.
وإذا لم تكن العين في ملكه وقت الوصية لا تصح الوصية، فكذلك إذا كانت الوصية مضافة إلى حال الحرية تنعقد الوصية كما عتق إذا كانت العين في ملكه، وإذا انعقدت الوصية كما عتق ولم يتأخر انعقادها إلى وقت الموت لم تصح هذه الوصية؛ لأن من شرط صحة الوصية أن ينعقد حالة الوصية أو حالة الموت، فأما إذا صارت مضافة إلى وقت هو بين الموت وبين التكلم بالوصية فإنه لا يصح، كما إذا قال: أوصيتك بهذا العين غداً فإنه لا يصح.
فأما الوصية بثلث المال متى صحت لا تنعقد كما عتق، بل يتأخر الانعقاد إلى حالة الموت، ألا ترى لو أنشأ الوصية بعد الحرية وله أموال، فالوصية لا تتعلق بذلك المال، حتى لا تبطل بهلاك ذلك المال، وإنما تتعلق بمال موجود وقت الموت. وإذا تأخر انعقاد هذه الوصية إلى وقت الموت صحت الوصية، ثم في الموضع الذي لا تجوز وصية المكاتب إذا جاء ورثته ولم يسلم المال قبلهم (....) مع عن ذلك فرق بين هذا وبين الحر إذا أوصى بجميع ماله ثم إن الوارث أجاز لم يكن للوارث أن يرجع سلم المال أو لم يسلمه، وهاهنا ما لم يسلموا المال فإن لهم أن يرجعوا. ووجه الفرق بينهما وهو الحر مالك بجميع ما أوصى على الحقيقة حالة الوصية، وإنما للورثة حق غير لا والمالك متى تصرف فيما يملكه على الحقيقة ولم ينعقد بحق الغير إذا أجاز صاحب الحق ينفذ من جهة المالك، كالراهن إذا باع المرهون ثم أجاز المرتهن ينفذ البيع من جهة الراهن فكذلك هاهنا تنفذ الوصية من جهة الموصي. والوصية توجب الملك للموصى له بعد موت الموصي قبل التسليم، فأما المكاتب متى أوصى لم يكن له حقيقة ملك فيما أوصى به، وإنما كان حق الملك وحق الملك لا يكفي لصحة التبرع فصار (242أ1) وجود حق الملك في حق الوصية وعدمه بمنزلة، فكأنه أوصى بمال غيره ثم مات ثم أجاز صاحب المال، وهناك إن أجاز وسلم جاز وكان هبة من جهة، وإن أجاز ولم يسلم كان له ذلك لأن الهبة لا توجب الملك قيل التسليم. فكذلك هنا فإن أجاز وسلم. ذكر محمد بن الحسن رحمه الله في «الكتاب» قياساً واستحساناً، قال: القياس أن لا يصح وفي الاستحسان يصح، وجه القياس في ذلك وهو أن الوصية تبرع حصل من المكاتب مضافاً إلى ما بعد الموت فيعتبر بما لو تبرع بشيء من حاله حال حياته، ولو تبرع بشيء من ماله حال حياته ثم أجاز المولى وسلم قبل العجز فإنه لا يجوز.
فكذا إذا أجاز الوارث بعد وفاته وسلم وجب أن لا يجوز.