نوع آخر من هذا الفصل

إذا قال المولى لعبده إن أديت إليّ ألفاً فأنت حر، فجاء العبد بالمال وخلى بينه وبين المولى يجبر المولى على القبول وليس معناه الإكراه بالسيف، وإنما معناه أن العبد إذا أخص المال بحيث يتمكن المولى من قبضه، وخلى بينه وبين المولى (يعد المولى) قابلاً ويحكم بعتق العبد، وهذا استحسان أخذ به علماؤنا الثلاثة رحمهم الله.

يجب أن يعلم بأن هذا التصرف يمين ابتداءً، وينقلب كتابة عند الأداء، أما يمين ابتداءً؛ فلأن صورته صورة اليمين؛ لأن اليمين ذكر شرط وجزاء وهذا التصرف بهذه المثابة، وأما كتابة معنى عند الأداء؛ لأن معنى الكتابة أن يعتق العبد بمال يؤديه إلى المولى، وقد وجد هذا الحد عند الأداء فوفرنا على الشبهين حظهما، فجعلناه يميناً ابتداء عملاً بالصورة، فقلنا إنه يتم المولى وحده، ولا يحتمل الفسخ، ولا يمنع جواز البيع، ولا يصير للعبد حق بأكسابه للحال، حتى كان للمولى أن يأخذ منه بغير رضاه، وجعلناه كتابة معنى عند الأداء، فقلنا إذا أدى العبد المال يجبر المولى على القبول كما في فصل الكتابة، وهذا لأن المولى رضي بالعتق عند دخول العوض إليه والعبد ما رضي في اكتساب المال إلا ليصل إلى العتق، فلو لم يجبر المولى على القبول على التفسير الذي قلنا فيتضرر به العبد، ولو أجبر المولى على القبول لا يتضرر فهو بهذا الطريق أجبر المولى على القبول في الكتابة وإذا أجبر المولى على القبول صار القبول موجوداً تقديراً واعتباراً، فيتحقق الشرط وهو الأداء إلى المولى.

وذكر محمّد رحمه الله في «الأصل» إذ قال لعبده إن أديت إلى ألفاً فأنت حر، فهذا إذن منه له في التجارة والعمل؛ لأن هذا التصرف وإن كان يميناً ابتداء فهو سبب لثبوت الكتابة لأنه ينقلب كتابة عند الأداء، والإذن في التجارة يثبت بالكتابة، فكذا بما هو سبب الكتابة يوضحه أنه لو لم يثبت الإذن لم يصل العبد إلى العتق أصلاً.

وفي «الأصل» أيضاً إذا قال لعبده: إن أديت إليّ ألف درهم فأنت حر، فهذا على المجلس، وروى بشر عن أبي يوسف: لأنه لا يتوقف على المجلس كما في الكتابة وكما في قوله إن أديت: إليّ، وجه ظاهر الرواية أن الأداء ههنا بمنزلة القبول في الكتابة من حيث إن حكم الكتابة، * وهو المعاوضة * يثبت عند الأداء ههنا، ثم القبول في الكتابة يعتبر في المجلس كذا الأول ههنا يعتبر في المجلس إذا لم يكن في لفظه ما يدل على الوقت، بخلاف قوله متى وإذا؛ لأن ذلك الوقت يعم الأوقات كلها.

وإذا مات المولى قبل أداء العبد بطل التعليق؛ لأن العبد يصير ميراثاً فلا يتوهم وجود الشرط بعد هذا على ملك المولى ليعتق به، فلا يكون في إيفاء الثمن فائدة، بخلاف الكتابة؛ لأن المكاتب لا يصير ميراثاً بل يبقى على حكم ملك الميت، فيوجد به الشرط على ملك المولى، وهو الأداء فيعتق وكان في إيفاء الكتابة فائدة.

ولو أدى العبد في مال اكتسبه قبل (324ب1) هذا القول عتق لوجود الشرط، وهو الأداء، ألا ترى أنه لو أدّى من مال غصبه من إنسان يعتق فطريقه ما قلنا، ورجع المولى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015