يجبر على النفقة، ولا يفتى بهُ أيضاً، إلا أنهُ إذا كانت فيه تضييع المال يكون مكروهاً. وأبو يوسف والشافعي رحمهما الله احتجا، وقالا بأن في عدم الجبر بالإنفاق على البهائم تعذيب الحيوانات بلا فائدة، وذلك منهيٌ وقاساه على الرقيق وإنما يفرق بينهما.

ووجه الفرق: أن إجْبار القاضي المولى على الإنفاق على مملوكة نوع قضاء، والقضاء لا بد له من مقضي لهُ هو من أهل الاستحقاق، وهذا يوجد في الرقيق؛ لأن الرقيق من أهل أن يستحق حقوقاً على المولى، وعلى غيره في الجملة ألا ترى أن بالكتابة يستحق حقوقاً على المولى، وإن مملوكاً فأما غير الرقيق لا يستحق حقوقاً على المولى فلا يصلح مقضياً له، فانعدم شرط القضاء فينعدم القضاء.

ثم الأصل في نفقة الرقيق: أن من كان مملوك المنافع والمكاسب يجبر المولى على نفقته، ومن كان غير مملوكة المنافع لا يجبر المولى على إنفاقه.

إذا ثبت هذا فنقول: رجل له عبد أو أمة أو مدبرة أو أم ولد يجبر المولى على نفقتهم، فإن أبى المولى الإنفاق فكل من يصلح للإجارة يؤاجر وينفق عليه من أجرته، وكل من لا يصلح لذلك لعذر الصغر أو ما أشبهه ففي العبد والأمة يؤمر المولى لينفق عليهما أو يبيعهما. وفي المدَّبر وأم الولد يجبر المولى على الإنفاق لا غير، لأنهُ لا يمكن بيعهما، وأما المكاتب فالمولى لا يجبر على نفقتهِ لأنهُ غير مملوك المنافع والمكاسب.

ثم فرق بين نفقة الرقيق وبين نفقة الزوجة من وجهين:

أحدهما: أن الرقيق وإن كان صغيراً تجب النفقة على المولى، والزوجة إذا كانت صغيرة لا تُشتهى لا تحب النفقة على (الزوج) .

والثاني: أن المولى إذا أبى الإنفاق على الرقيق يجبر (على) البيع، والزوج إذا عجز عن الإنفاق على المرأة لا يفرق بينهما.

أما الفرق الأول: فقد ذكرناه في أول نفقات الزوجات. وأما الفرق الثاني: وهو أن المولى إذا أجْبِرَ على البيع دفعاً للظلم عن المملوك يزول ملكه إلى خلف وهو الثمن، ولو لم يجبر يفوت حق المملوك في النفقة لا إلى خلف لأن نفقة المملوك لا يصير ديناً على المولى بحال من الأحوال، فكان الجبْر على البيع أقل ضرراً.

أما في باب النكاح: لو أمر الزوج بالتفريق دفعاً للظلم عن المرأة ثفوت ملك الزوج بغير خلف ولو لم يجبر يفوت حق المرأة في الحال إلى خلف فإن نفقة الزوجة تصير ديناً بقضاء القاضي، فكان ما يلحق الزوج من الضرر أكثر، فكان أولى بالدفع.

قال: أمةٌ أو عبد في يدي رجلين تنازعا فيه وكل واحد منهما يدعي أنه له فإنهما يجبران على النفقة عليه لأنهُ لما كان في أيديهما، فالظاهر أنهُ ملكهما، ولو كان مكان العبد والأمة دابة لا يجبران؛ لأنها لو كانت ملكهما لا يجبران فكذا إذا كان في أيديهما.

قال: ولا تحب نفقة المعتق على المعتق وإن كان المعتق عاجزاً عن الاكتساب لصغرٍ أو زَمَانَةٍ أو ما أشبههُ، ولكن عليه من بيت المال؛ لأنهُ مسلم ليس له قرابة غنى ومال بيت المال معد ذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015