إلى القاضي فإن القاضي لا يجبر الابن على نفقة الأب إلا أن يعلم أنه يطيق. وفي بعض النسخ إلى أن يعلم أنه مصطلح لذلك أي قادر عليه. وهذا لأن شرط وجوب الإنفاق والقدرة على الإنفاق فالأب يدعي على الابن النفقة بواسطة شرطه، وهو ينكر، فعلى الأب أن يثبت الشرط بالحجة، فإن قال الأب: إنه يكسب ما يقدر على أن ينفق منه فإن القاضي ينظر في كسب الابن، فإن كان فيه فضل عن قوته يجبر الابن على أن ينفق على أبيه من ذلك الفضل لأن شرط وجوب النفقة على الولد القدرة على الإنفاق وقد وجد، وإن لم يكن في ذلك فضل عنه فلا شيء عليه في الحكم، لكن يؤمر من حيث الديانة أن لا يضيع والده. وقال بعض العلماء يجبر الابن على أن يدخل الأب في قوته إذا كان ما نصب الابن من ذلك القوت يقوم معه بدنه ولا يضره إضراراً يمنعه من الكسب، وروي عن أبي يوسف رحمه الله أن على الابن في هذه الصورة أن يضمن الأب إلى نفسه لأنه لو لم يفعل ضاع الأب. ولو فعل لا يخشى الهلاك على الولد والأب إذ لا يملك على نصف يطلبه إلا أن في ظاهر الرواية عن أصحابنا رحمهم الله: لا يجبر على ذلك. لقوله عليه السلام: «ابدأ بنفسك ثم بمن تعول» هذا الذي ذكرنا إذاكان الابن وحده.
أمّا إذا كان للابن زوجة وأولاد صغار وباقي المسألة بحالها فالقاضي يجبر الابن على أن يدخل الأب في كسبه ويجعله كأحد العيال الذين ينفق عليهم ولا يجبره أن يعطي له شيئاً على حدة.
فرق بين هذا وبينما إذا كان الابن وحده، والفرق: هو أن الابن إذا كان يكتسب مقدار ما يكفي له ولزوجته وأولاده الصغار فإذا دخل الأب في طعامهم يقل الضرر؛ لأن طعام الأربعة إذا فرق على الخمسة لا يتضرر كل واحد منهم إضراراً فاحشاً. أما إذا دخل الواحد في طعام الواحد يتفاحش الضرر.
فإن قال الأب: إن ولدي هذا كسوب يقدر على أن يكسب مقدار ما يكفيه ويكفيني، لكنه ذرع العمل عمداً كيلا يفضل منه ما يعطيني شيئاً منه، يريد بذلك عقوقي نظر القاضي فيما قال. وطريق النظر: أن يسأل من أهل حرفته لأن لهم نظراً في هذا الباب فإن ظهر للقاضي أن الأمر على ما قاله الأب أجبر الابن على نفقة أبيه وأخذ بذلك لأنه فضل الإضرار بالأب. وهذا كله إذا لم يكن الأب كسوباً. وأما إذا كان الأب كسوباً هل يجبر الابن على الكسب والنفقة فقد ذكرنا فيه الاختلاف قبل هذا فلا نعيد، فإن كان للأب مسكن أو دابة فالمذهب عندنا أن يفرض النفقة على الابن إلا أن يكون في المسكن فضل عران يكفيه أو يسكن ناحية منه فحينئذ يؤمر الأب ببيع لفضل والإنفاق (316ب1) على نفسه فإذا آل الأمر إلى الناحية التي يسكنها الأب يفرض نفقته حينئذ على الابن، وكذا إذا كانت للأب دابة نفيسه يؤمر أن يبيع الفضل ويشتري الأَوْكَس وينفق الفضل على نفسه،