نوع آخر في بيان حكم الكنايات
فنقول: الكنايات التي هي بوائن، إذا نوى به الزوج الطلاق كان طلاقاً بائناً، وإن نوى اليمين كان يميناً، لأن هذه الألفاظ تحتمل إيجاب الحرمة فصارت هذه الألفاظ بمنزلة قوله: أنت علي حرام، وإن لم يكن نوى شيئاً، هل يكون يميناً؟ ففيه اختلاف المشايخ: من قال بأنها يمين قاس هذه الألفاظ على قوله: أنت عليّ حرام.
ومن قال: إنها ليست بيمين قال: بأن هذه الألفاظ ليس بصريح في باب اليمين، وما ليس بصريح في باب إنما يلحق بالصريح فيه إما بغلبة الاستعمال، أو بدلالة الحال، أو بالنية، ولم يوجد شيء من ذلك هنا، بخلاف قوله: أنت علي حرام لأن هناك وجد غلبة الاستعمال في اليمين فالتحق بالتصريح والله أعلم.
نوع آخر في تكرار ألفاظ الكنايات وما يتصل به
قال محمد رحمه الله في «الأصل» : إذا قال لها: اعتدي اعتدي اعتدي وقالت: نويت بالكل طلقة واحدة لا يُصدّق قضاء، ويصدق فيما بينه وبين الله تعالى: أما لا يصدق قضاء لأنه لما نوى بالكل طلقة واحدة، كأنه نوى بكل لفظ ثلث تطليقة والتطليقة مما لا يتجزّأ نية بعضها يكون نية كلها، ويدين فيما بينه وبين الله تعالى لمكان الاحتمال لأنه نوى بالأول الإيقاع وبالثاني وبالثالث الأمر بعدة واجبة، أو لأنه نوى بالأول الإيقاع وبالثاني والثالث التكرار وإذا قال: عنيت بالأول طلاقاً وبالثاني والثالث الأمر بعدة واجبة يصدق في القضاء وفيما بينه وبين الله تعالى؛ لأنه لما نوى بالأول الطلاق صار كأنه (238أ1) قال لها: أنت طالق ثم قال بعد ذلك: اعتدي اعتدي، ولو قال هكذا وقال: عنيت بقولي: اعتدي اعتدي الأمر بعدة واجبة كان كما نوى؛ لأنه نوى حقيقة واحدة لأن هناك نوى بكل لفظ ثلث تطليقة والتقريب فامر.
ولو قال: عنيت بالأولى طلاقاً ولم ينو بالثاني والثالث شيئاً تقع الثلاث عند علمائنا الثلاثة رحمهم الله؛ لأن الثاني والثالث واحد حال مذاكرة الطلاق لما نوى بالأول الطلاق وقوله اعتدي حال مذاكرة الطلاق طلاق.
وفي «الأصل» أيضاً: إذا قال: أنت طالق فاعتدي، وقال: أنت طالق واعتدي، وأراد بقوله واعتدي فاعتدي الأمر بعدة واحدة صدق قضاءً. وإن أراد به تطليقة أخرى أولم ينوبه شيئاً فهي أخرى.
قال مشايخنا: وما ذكر محمد رحمه الله من الجواب أنه إذا لم ينو شيئاً فهما طلاقان فذلك مستقيم في قوله: أنت طالق واعتدي، غير مستقيم في قوله: فاعتدي، وينبغي أن تقع واحدة في هذه الصورة، وإليه أشار في اختلاف زفر ويعقوب رحمهما الله وهو الصحيح.