وقال شيخ الإسلام رحمه الله: الأول أصح؛ لأن أبا حنيفة رحمه الله إنما يرى التحليف على الفرقة إذا وقع الدعوى في الفرقة مقصوداً كما في المسألة التي ذكرها، والدعوى ههنا ما وقع في الفرقة مقصوداً إنما وقع في النكاح؛ لأن الذي حَضَرَ لا يدعي الفرقة على الثاني إنما يدعي نكاح نضعه إلا أنه متى نكل الثاني وثبت نكاح الذي حضر يجب التفريق بين المرأة وبين الزوج الثاني حكماً لثبوت نكاح الذي حضر لا أصلاً ومقصوداً.
والأصل في هذا الباب دعوى النكاح، ودعوى الفرقة تبع، والتبع ليس له حكم نفسه إنما له حكم الأصل فإذا لم يجزىء الاستحلاف فيما هو الأصل وهو النكاح لا يجزىء فيما هو التبع له وهو الفرقة، ولو أن المدعي في ابتداء الدعوى أقام البينة على طلاق الغائب، فالقاضي يقبل بينته ويقضي بالمرأة للمدعي ويتعدى القضاء إلى الغائب حتى لو حضر (و) أنكر الطلاق لا يحتاج إلى إعادة البينة.
ولو شهد شاهدان أنه مات وهي امرأته ووارثته وقضى القاضي لها بالميراث، ثم شهد آخر أن الميت كان طلقها ثلاثاً في صحته هل تقبل بينة الطلاق؟ أشار في «السير الكبير» أنها تقبل. والمذكور في «السير» : رجل مات فجاءت امرأة وادعت أنها امرأة الميت ووارثته فأنكر ولد الميت نكاحها فأقامت بينة أنه مات وهي امرأته ووارثته ولا وارث له من النساء غيرها وقضى القاضي لها بالميراث واستهلكته. ثم أقام الولد بينة أن الميت قد كان طلقها ثلاثاً في صحته، فإن الضمان فيه على المرأة، فلا يجب على الشاهدين ولولا أن بينة الطلاق مقبولة وإلا لما وجب الضمان على المرأة. وهذه المسألة قبلت بينة الطلاق تؤيد قول القاضي الإمام في المسألة المتقدمة لأن في هذه المسألة قبلت بينة الطلاق مع أن شهود النكاح شهدوا بالنكاح يوم الموت، فلأن تكون بينة الطلاق أولى في تلك المسألة، وشهود النكاح لم يشهدوا بالنكاح يوم الموت كان أولى في تلك المسألة، ثم إنما قبلت بينة الطلاق في مسألة «السير» لأن قول شهود النكاح: مات وهي امرأته غير محتاج إليها للقضاء بالميراث، فإنهم لو قالوا: كانت امرأته فالقاضي يقضي لها بالميراث، وما لا يحتاج إليه في الشهادة وجوده وعدمه بمنزلة، ولو لم يقولوا: وهي امرأته كان تقبل بينة الطلاق دون بينة النكاح كذا ههنا.
وفي «فتاوى الفضلي» رحمه الله سئل عن (رجل) مات فشهد شاهدان أن هذه المرأة كانت امرأته، وشهد آخران أنه كان طلقها قبل الموت قال: بينة النكاح أولى لأنه..... كأنه طلقها ثم تزوجها، وقال القاضي الإمام ركن الإسلام علي السغدي رحمه الله بينة الطلاق أولى؛ لأنها ثبتت زيادة أمر وهو الطلاق بعد النكاح، وفي «مجموع النوازل» : إذا شهد أحد الشاهدين أنها زوجت نفسها منه، وشهد الآخر أن وليها زوجها برضاها لا تفيد لاختلافها لفظاً ومعنى.