وإذا ادعت أختان على رجل بعينه كل واحدة تدعي أنه تزوجها أولاً وأقامت كل واحدة بيّنة على حسب ما ادعت كان ذلك إلى الزوج، فأيتهما قال الأولى فهي الأولى وهي امرأته، ويفرق بينه وبين الأخرى ولا مهر عليه للأخرى إن لم يكن دخل بها.
قال الشيخ الإمام شيخ الإسلام المعروف بخواهر زاده رحمه الله: وبهذه المسألة تبين أنه إذا وجد التصادق بعد إقامة البينة، فالنكاح يعتبر ثابتاً بالبينة، إذ لو اعتبر ثابتاً بالتصادق يجب أن تُقبل بينّة الأخت في هذه المسألة وقد أقامت البينة أنه تزوجها أولاً وإن جحد الزوج ذلك كله وقال: (لم) أتزوج واحدة منهما أو قال تزوجتهما ولا يدري أيتهما أولى فهو سواء، ويفرق بينه وبينهما وعليه نصف المهر بينهما إن لم يكن دخل بهما.
من مشايخنا من قال: هذا الجواب لا يستقيم فيما إذا أنكر الزوج نكاحهما أصلاً؛ لأنه لما أنكر نكاحهما فقد أنكر وجوب (217ب1) المهر على نفسه وتعذر القضاء بالبينتين لمكان التعارض فكيف يجب نصف المهر لهما عليه؟ قال شمس الأئمة السرخسي رحمه الله: لا بل هذا الجواب مستقيم في الفصلين لأن التعارض لا بين البينتين في حكم الحل دون المهر، ألا ترى أن البينتين لو قامتا بعد موت الزوج عمل بهما في حق المهر والميراث، وإذا لم يكن بينهما تعارض في حكم المهر وجب نصف المهر على الزوج، وليست إحداهما أولى من الأخرى فيكون بينهما.
وعن أبي يوسف رحمه الله في ا «لإملاء» أنه لا شيء عليه؛ لأن المقضي له مجهول وعن محمد رحمه الله أنه يقضى عليه بجميع المهر؛ لأن النكاح لم يرتفع بجحوده فوجب القضاء بجميع المهر للتي صح نكاحها، وإن كان دخل بإحداهما كان لها المهر المسمى وهي امرأته؛ لأنه صار مهراً بأولية ملك نكاح الموطوءة حكماً للإقدام على الوطء.
وإن قال: هي الآخرة وتلك الأولى فرق بينها وبينه ولزم المهر المسمى للتي دخل بها لا ينقص عنه وإن كان المسمى أكثر من مهر المثل.
قال محمد رحمه الله في «الجامع» : رجل ادعى نكاح امرأة والمرأة أنكرت ذلك، وأقام المدعي بيّنة أنها امرأته وأقامت المرأة بينة أنه كان تزوج أختها قبل الوقت الذي ادعى فيه نكاحها، وأنها اليوم امرأته على حاله والزوج ينكر أجمعوا على أن القاضي لا يقضي بنكاح الغائبة، وهل يقضي بنكاح الحاضرة القياس أن يقضي وبه أخذ أبو حنيفة رحمه الله، وفي الاستحسان لا يقضي بل يوقف الأمر إلى أن تحضر الغائبة، فإن حضرت وأقامت البينة على ما ادعت لها الحاضرة يقضى بأنها امرأته ويفرق بين الزوج وبين الحاضرة، وإن أنكرت ذلك يقضى بنكاح الحاضرة ببينة الزوج ولا يلتفت إلى بيّنة الحاضرة، وبه أخذ أبو يوسف ومحمد رحمهما الله. الأصل في هذه المسألة وأجناسها أن القضاء بالبينة على الغائب أو للغائب لا يجوز إلا إذا كان عنه خصم حاضر، إمّا قصدي وذلك بتوكيل الغائب إياه، وإما حكمي وذلك أن يكون المدعى على الغائب سبباً لثبوت المدعى على الحاضرة لا محالة لو شرطا له على ما ذكر فخر الإسلام علي البزدوي