أخرنا الأمر إلى أن يزول العته (217أ1) وليس لزواله غاية معلومة أدى إلى إبطال حقها في التفريق وإنه لا يجوز، فلهذه الضرورة أقمنا إباء ناقصاً وإسلاماً ناقصاً مقام الكامل.
فإن قيل: هذا القول يُشْكل بما لو كان الزوج غائباً وهو صبي، فإنه لا يعرض الإسلام على أبيه وليس لإبائه وإسلامه من حيث الحقيقة والحكم وقت معلوم. قلنا: الغائب من يعرف مكانه، ومتى عرف مكانه عُرض الإسلام عليه من حيث الحقيقة، إما بإحضاره أو بأن توكل المرأة وكيلاً حتى تخاصم معه حيث هو..... عقل، فيعرض الإسلام عليه حتى لو كان مفقوداً لا يُعرف مكانه نقول: يعرض الإسلام على أبيه.
ثم إن محمداً رحمه الله قال في مسألة المعتوه: يعرض الإسلام على والده، فإن أسلم وإلا فرق بينهما. قال الشيخ الإمام شمس الأئمة السرخسي في تعليقه على القاضي الإمام أبي عاصم العامري رحمه الله: ليس هذا على طريق الحكم لكن إنما قال ذلك لأن للوالدين شفقة على ولدهما كما أن لهما شفقة على أنفسهما، فيجوز أن تحملهما شفقة الولاد على الإسلام، فيصير المعتوه مسلماً بإسلامه، كما أن شفقته على نفسه تحمله على أن يسلم فلا يفرق بينهما، فإنما قال: يعرض الإسلام عليه لهذا الأمر طريق الحكم. وفي مسألة الصبي صحح عرض الإسلام عليه وإن كان لا يخاطب الصبي بالإسلام عندنا؛ لأن ذلك وضع عنه، وقبل منه إذا أدّاه في حق الرحمة عليه، وههنا وجب العرض لحقوقها، وحقوق العباد لا تسقط بعذر الصغر فيوجه الخطاب بالعرض لحق العبد لا لحق الله تعالى، واستشهد في «الكتاب» فقال: ألا ترى أن امرأة النصراني إذا أسلمت فرفعت الأمر إلى القاضي، فوكل الزوج رجلاً بالخصومة وغاب الزوج، فالقاضي لا يفرق بينهما حتى يحضر الزوج فيفرق بينهما إذا أبى الإسلام؛ لأنه يمكن اعتبار إباء الزوج حقيقة وحكماً، فلا ضرورة إلى إقامة إباء الوكيل مقام إباء الزوج كذا مسألتنا.
ثم فرّع على مسألة المعتوه فقال: إن كان الأبوان قد ماتا، فالقاضي ينصب خصماً عنه ويفرق بينهما؛ لأنه تعذر عرض الإسلام عليه وعلى غيره، فغلب الإمساكَ بالمعروف التسريحُ بالإحسان.
فإن قيل: لما تعذر اعتبار الإسلام والإباء حقيقة ينبغي أن تقام ثلاث حيض مقام الفرقة إقامة للشرط مقام (العلة) كما لو أسلم أحد الزوجين في دارالحرب، قلنا: في تلك المسألة: إنما أقمتم ثلاث حيض مقام الفرقة إقامة للشرط مقام العلة لتكون الحِيَض شرط الفرقة، وههنا أمكن اعتبار العلة حقيقة وهو تفريق القاضي بأن ينصب عنه وكيلاً، فلا ضرورة إلى إقامة الشرط مقام العلة، والله أعلم بالصواب.