غَضِبْت عَلَى الرَّجُلِ، فَقُلْت: أَضْرِبُ عُنُقَهُ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ، أَمَا تَذْكُرُ ذَلِكَ، أَوَ كُنْت فَاعِلًا ذَلِكَ؟ قُلْت: نَعَمْ، وَاَللَّهِ وَلَئِنْ أَمَرْتنِي فَعَلْت، قَالَ: وَاَللَّهِ مَا هِيَ لِأَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِنْ قِيلَ - هَذَا خَبَرٌ رَوَاهُ عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ - مَرَّةً عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، وَمَرَّةً عَنْ أَبِي الْبُحْتُرِيِّ، وَكِلَاهُمَا عَنْ أَبِي بَرْزَةَ؟ قُلْنَا: فَكَانَ مَاذَا؟ كُلُّهُمْ ثِقَةٌ، سَمِعَهُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ فَحَدَّثَ بِهِ كَذَلِكَ، وَعَمْرُو بْنُ مُرَّةَ مِنْ الْجَلَالَةِ وَالثِّقَةِ بِحَيْثُ لَا يَغْمِزُهُ بِمِثْلِ هَذَا إلَّا جَاهِلٌ.
فَإِنْ قِيلَ: إنَّ مَعْنَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ هَذَا إنَّمَا هُوَ مَا كَانَ لِأَحَدٍ أَنْ يُطَاعَ فِي سَفْكِ دَمٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -؟ قُلْنَا نَعَمْ، وَأَرَادَ أَيْضًا مَعْنًى آخَرَ، كَمَا رُوِّينَا مُبَيَّنًا بِلَا إشْكَالٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَوْنِ اللَّهِ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ أَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ نا شُعْبَةُ عَنْ ثَوْبَةَ الْعَنْبَرِيِّ قَالَ: سَمِعْت أَبَا السَّوَّارِ الْقَاضِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قُدَامَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ قَالَ: أَغْلَظَ رَجُلٌ لِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، قُلْت: أَلَا أَقْتُلُهُ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَيْسَ هَذَا إلَّا لِمَنْ شَتَمَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَبَيَّنَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ مَنْ شَتَمَهُ، لَكِنْ يُقْتَلُ مَنْ شَتَمَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -.
وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ دَمَ الْمُسْلِمِينَ حَرَامٌ إلَّا بِمَا أَبَاحَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، وَلَمْ يُبِحْهُ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ، إلَّا فِي الْكُفْرِ بَعْدَ الْإِيمَانِ، أَوْ زِنَا الْمُحْصَنِ، أَوْ قَوَدٍ بِنَفْسٍ مُؤْمِنَةٍ، أَوْ فِي الْمُحَارَبَةِ، وَقَطْعِ الطَّرِيقِ، أَوْ فِي الْمُدَافَعَةِ عَنْ الظُّلْمَةِ، أَوْ فِي الْمُمَانَعَةِ مِنْ حَقٍّ، أَوْ فِيمَنْ حُدَّ فِي الْخَمْرِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ شَرِبَهَا الرَّابِعَةَ فَقَطْ.
وَقَدْ عَلِمْنَا - أَنَّ مَنْ سَبَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَبِيَقِينٍ نَدْرِي أَنَّهُ لَمْ يَزْنِ، وَلَا شَرِبَ خَمْرًا، وَلَا قَصَدَ ظُلْمَ مُسْلِمٍ، وَلَا قَطَعَ طَرِيقًا - فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنَّهُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ كَافِرٌ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا سَحْنُونٌ نا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ خَالِدٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ