أَمَّا قَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ خَبَرٌ صَحِيحٌ عَنْهُ أَخَذُوا مَا اشْتَهَوْا مِنْهُ، وَتَرَكُوا سَائِرَهُ، وَهُوَ خَبَرٌ: نا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، كِلَاهُمَا عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْت بَجَالَةَ كَاتِبَ جُزَيٍّ يُحَدِّثُ أَبَا الشَّعْثَاءِ، وَعَمْرَو بْنَ أَوْسٍ عَنْ صِفَةِ زَمْزَمَ فِي إمَارَةِ الْمُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: كُنْتُ كَاتِبًا لِجُزَيٍّ - عَمِّ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ - فَأَتَى كِتَابُ عُمَرَ قَبْلَ مَوْتِهِ، بِسَنَةٍ: اُقْتُلُوا كُلَّ سَاحِرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْمَجُوسِ، وَانْهَهُمْ عَنْ الزَّمْزَمَةِ، قَالَ: فَقَتَلْنَا ثَلَاثَ سَوَاحِرَ، قَالَ: وَصَنَعَ طَعَامًا كَثِيرًا وَعَرَضَ السَّيْفَ، ثُمَّ دَعَا الْمَجُوسَ فَأَلْقَوْا وِقْرَ بَغْلٍ، أَوْ بَغْلَيْنِ مِنْ وَرِقِ أَخِلَّةً، كَانُوا يَأْكُلُونَ بِهَا، وَأَكَلُوا بِغَيْرِ زَمْزَمَةٍ، قَالَ: «وَلَمْ يَكُنْ عُمَرُ أَخَذَ مِنْ الْمَجُوسِ الْجِزْيَةَ حَتَّى شَهِدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَهَا مِنْ مَجُوسِ أَهْلِ هَجَرَ» فَهَكَذَا الْحَدِيثُ.
وَالْمَالِكِيُّونَ، وَالْحَنَفِيُّونَ يُخَالِفُونَ عُمَرَ فِي هَذَا الْخَبَرِ فِيمَا لَا يَحِلُّ خِلَافُهُ فِيهِ مِنْ أَمْرِهِ: بِأَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْمَجُوسِ، لِأَنَّ هَذَا هُوَ أَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى إذْ يَقُولُ تَعَالَى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49] .
فَهُوَ إذْ يَقُولُ تَعَالَى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال: 39] .
فَقَالَ الْحَنَفِيُّونَ وَالْمَالِكِيُّونَ: لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مَجُوسِيٍّ وَبَيْنَ حَرِيمَتِهِ، وَتُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ مِنْ كُلِّ مَنْ لَيْسَ كِتَابِيًّا مِنْ الْعَجَمِ - فَخَالَفُوا الْقُرْآنَ، وَعُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، حَيْثُ لَا يَحِلُّ خِلَافُهُ وَقَلَّدُوهُ - بِزَعْمِهِمْ - حَيْثُ حَكَمَ فِيهِ بِمَا أَدَّاهُ إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ، مِمَّا لَمْ يَرِدْ فِيهِ قُرْآنٌ، وَلَا صَحَّتْ بِهِ سُنَّةٌ - فَهَذَا عَكْسُ الْحَقَائِقِ.
وَالزَّمْزَمَةُ - كَلَامٌ تَتَكَلَّمُ بِهِ الْمَجُوسُ عِنْدَ أَكْلِهِمْ، لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْهُ، وَلَا يَحِلُّ فِي دِينِهِمْ أَكْلٌ دُونَهُ - وَهُوَ كَلَامُ تَعْظِيمٍ لِلَّهِ تَعَالَى يَتَكَلَّمُونَ بِهِ فِي أَفْوَاهِهِمْ خِلْقَةً وَشِفَاهُهُمْ مُطْبَقَةٌ، لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ خِلَافُ ذَلِكَ - وَلَهُمْ خَشَبَاتٌ صِغَارٌ يَسْتَعْمِلُونَهَا عِنْدَ ذَلِكَ - وَأَخِلَّةٌ يَأْكُلُونَ بِهَا - وَهَذَا حُمْقٌ مِنْهُمْ وَتَكَلُّفٌ.
وَبِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الْمُثَنَّى بْنِ الصَّبَّاحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَخَذَ سَاحِرًا فَدَفَنَهُ إلَى صَدْرِهِ ثُمَّ تَرَكَهُ حَتَّى مَاتَ.