بِالِاسْتِعَارَةِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ، ثُمَّ يَمْلِكُهُ مُسْتَتِرًا مُخْتَفِيًا - فَهَذِهِ هِيَ السَّرِقَةُ نَفْسُهَا دُونَ تَكَلُّفٍ، فَكَانَ هَذَا اللَّفْظُ خَارِجًا عَمَّا ذَكَرْنَا أَحْسَنَ خُرُوجٍ، وَكَانَ لَفْظُ مَنْ رَوَى " الْعَارِيَّةَ " لَا يَحْتَمِلُ وَجْهًا آخَرَ أَصْلًا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَتُقْطَعُ يَدُ الْمُسْتَعِيرِ الْجَاحِدِ كَمَا تُقْطَعُ مِنْ السَّارِقِ - سَوَاءٌ سَوَاءٌ - مِنْ الذَّهَبِ فِي رُبْعِ دِينَارٍ لَا فِي أَقَلَّ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا قَطْعَ إلَّا فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا» .
وَفِي غَيْرِ الذَّهَبِ فِي كُلِّ مَا لَهُ قِيمَةٌ - قَلَّتْ أَوْ كَثُرْت -؛ لِأَنَّهُ قَطْعٌ فِي مَالٍ أُخِذَ اخْتِفَاءً لَا مُجَاهِرَةً.
وَتُقْطَعُ الْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ، لِإِجْمَاعِ الْأَمَةِ كُلِّهَا عَلَى أَنَّ حُكْمَ الرَّجُلِ فِي ذَلِكَ كَحُكْمِ الْمَرْأَةِ، وَمِنْ مُسْقِطٍ الْقَطْعَ عَنْهَا، وَمِنْ مُوجِبٍ الْقَطْعَ عَلَيْهَا، وَلَا قَطْعَ فِي ذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ بِالْأَخْذِ، وَالتَّمْلِيكِ، مَعَ الْجَحْدِ، أَوْ الْإِقْرَارِ بِذَلِكَ، فَإِنْ عَادَ مَرَّةً أُخْرَى قُطِعَتْ الْيَدُ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِقَطْعِ يَدِهَا - وَهَذَا عُمُومٌ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ طَلَبَهُ الْعَارِيَّةَ مُسْتَخْفِيًا بِمَذْهَبِهِ فِي أَخْذِهِ، فَكَانَ سَارِقًا، فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْقَطْعُ - وَحَسْبنَا اللَّهُ وَنَعَمْ الْوَكِيلُ.
2290 - مَسْأَلَةٌ: قَطْعُ الدَّرَاهِمِ؟ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاجِيَّ نا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ نا أَبُو عُبَيْدِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْكَشْوَرِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْحُذَافِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ نا دَاوُد بْنُ قَيْسٍ أَخْبَرَنِي خَالِدُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ وَجَدَ رَجُلًا يَقْرِضُ الدَّرَاهِمَ فَقَطَعَ يَدَهُ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا سَحْنُونٌ نا ابْنُ وَهْبٍ نا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ عُمَرَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّيْمِيِّ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهُوَ إذْ ذَاكَ أَمِيرٌ عَلَى الْمَدِينَةِ - فَأُتِيَ بِرَجُلٍ يَقْطَعُ الدَّرَاهِمَ - وَقَدْ شُهِدَ عَلَيْهِ - فَضَرَبَهُ، وَحَلَقَهُ، وَأَمَرَ بِهِ فَطِيفَ بِهِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَقُولَ: هَذَا جَزَاءُ مَنْ يَقْطَعُ الدَّرَاهِمَ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ أَنْ يُرَدَّ إلَيْهِ، فَقَالَ: أَمَا إنِّي لَمْ يَمْنَعنِي مِنْ أَنْ أَقْطَعَ يَدَك إلَّا أَنِّي لَمْ أَكُنْ تَقَدَّمْتُ فِي ذَلِكَ قَبْلَ الْيَوْمِ، وَقَدْ تَقَدَّمْتُ فِي ذَلِكَ، فَمَنْ شَاءَ فَلْيَقْطَعْ؟