وَأَوَّلُ مَنْ يَحْتَجُّ بِهَذَا الْخَبَرِ: فَالْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ الْأَبَ إذَا أَخَذَ مِنْ مَالِ ابْنِهِ دِرْهَمًا - وَهُوَ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ - فَإِنَّهُ يُقْضَى عَلَيْهِ بِرَدِّهِ، أَحَبَّ أَمْ كَرِهَ - كَمَا يُقْضَى بِذَلِكَ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ وَلَا فَرْقَ، وَلَوْ كَانَ مَالُ الْوَلَدِ لِلْوَالِدِ لَمَا قُضِيَ عَلَيْهِ بِرَدِّ مَا أُخِذَ مِنْهُ.
فَإِذْ قَدْ صَحَّ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ مَنْسُوخٌ، وَصَحَّ أَنَّ مَالَ الْوَلَدِ لِلْوَلَدِ لَا لِلْوَالِدِ، فَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ كَمَالِ الْأَجْنَبِيِّ وَلَا فَرْقَ؟ فَإِنْ قَالُوا: إنَّ لِلْوَالِدَيْنِ حَقًّا فِي مَالِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُمَا إذَا احْتَاجَا أُجْبِرَ عَلَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِمَا، وَعَلَى أَنْ يَعِفَّ أَبَاهُ، فَإِذْ لَهُ فِي مَالِهِ حَقٌّ، فَلَا يُقْطَعُ فِيمَا سَرَقَ مِنْهُ: فَهَذَا تَمْوِيهٌ ظَاهِرٌ وَلَمْ يُخَالِفْهُمْ أَحَدٌ فِي أَنَّ الْوَالِدَيْنِ إذَا احْتَاجَا فَأَخَذَا مِنْ مَالِ وَلَدِهِمَا حَاجَتَهُمَا بِاخْتِفَاءٍ أَوْ بِقَهْرٍ أَوْ كَيْفَ أَخَذَاهُ - فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا، فَإِنَّمَا أَخَذَا حَقَّهُمَا - وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِيهِمَا إذَا أَخَذَا مَا لَا حَاجَةَ بِهِمَا إلَيْهِ - إمَّا سِرًّا وَإِمَّا جَهْرًا - فَاحْتِجَاجُهُمَا بِمَا لَيْسَ مِنْ مَسْأَلَتِهِمَا تَمْوِيهٌ.
وَهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِيمَنْ كَانَ لَهُ حَقٌّ عِنْدَ أَحَدٍ، فَأَخَذَ مِنْ مَالِهِ مِقْدَارَ حَقِّهِ، فَإِنَّهُ لَا يُقْطَعُ، وَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِرَدِّهِ - فَلَوْ كَانَ وُجُوبُ الْحَقِّ لِلْأَبَوَيْنِ فِي مَالِ الْوَلَدِ إذَا احْتَاجَا إلَيْهِ مُسْقِطًا لِلْقَطْعِ عَنْهُمَا إذَا سَرَقَا مِنْ مَالِهِ مَا لَا يَحْتَاجَانِ إلَيْهِ وَلَا حَقَّ لَهُمَا فِيهِ، لَوَجَبَ ضَرُورَةً أَنْ يَسْقُطَ الْقَطْعُ عَنْ الْغَرِيمِ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ فِي مَالِ غَرِيمِهِ إذَا سَرَقَ مِنْهُ مَا لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ - وَهَذَا لَا يَقُولُونَهُ.
فَبَطَلَ مَا مَوَّهُوا بِهِ مِنْ ذَلِكَ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: لَوْ قَتَلَ ابْنَهُ لَمْ يُقْتَلْ بِهِ، وَلَوْ قَطَعَ لَهُ عُضْوًا أَوْ كَسَرَهُ لَمْ يُقْتَصَّ مِنْهُ، وَلَوْ قَذَفَ لَمْ يُحَدَّ لَهُ، وَلَوْ زَنَى بِأَمَتِهِ لَمْ يُحَدَّ، فَكَذَلِكَ إذَا سَرَقَ مِنْ مَالِهِ لَمْ يُحَدَّ؟ فَكَلَامٌ بَاطِلٌ، وَاحْتِجَاجٌ لِلْخَطَأِ بِالْخَطَأِ.
بَلْ لَوْ قَتَلَ ابْنَهُ لَقُتِلَ بِهِ، وَلَوْ قَطَعَ لَهُ عُضْوًا أَوْ كَسَرَهُ لَاقْتُصَّ مِنْهُ، وَلَوْ قَذَفَهُ لَحُدَّ لَهُ، وَلَوْ زَنَى بِأَمَتِهِ لَحُدَّ كَمَا يُحَدُّ الزَّانِي - وَقَدْ بَيَّنَّا كُلَّ هَذَا فِي أَبْوَابِهِ فِي " كِتَابِ الدِّمَاءِ، وَالْقِصَاصِ وَحَدِّ الزِّنَا وَحَدِّ الْقَذْفِ ". قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَإِذْ لَمْ يَبْقَ لَهُمْ حُجَّةٌ أَصْلًا، فَالْوَاجِبُ أَنْ نَرْجِعَ عِنْدَ