المحلي بالاثار (صفحة 5241)

الْجُمُعَةِ، وَقَالَ اثْنَانِ: زَنَى يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَقَالَ اثْنَانِ: بَلْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَدْ بَطَلَ عَنْهُ حَدُّ السَّرِقَةِ، وَحَدُّ الزِّنَى.

قَالَ: فَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا: قَذَفَ زَيْدًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَقَالَ الْآخَرُ: قَذَفَهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ - أَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا: شَرِبَ الْخَمْرَ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَقَالَ الْآخَرُ: بَلْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَعَلَيْهِ حَدُّ الْقَذْفِ، وَحَدُّ الْخَمْرِ. وَهَذَا كُلُّهُ تَخْلِيطٌ، وَإِنَّمَا أَوْرَدْنَاهُ لِنُرِيَ - بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى - مَنْ نَصَحَ نَفْسَهُ، وَأَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ خَيْرًا، بُطْلَانَ أَقْوَالِهِمْ فِي التَّشْبِيهِ، الَّذِي هُوَ عِنْدَهُمْ أَصْلٌ لِقِيَاسِهِمْ الْبَاطِلِ، وَأَنَّهُ مَنْ مَيَّزَهُ لَمْ يَعْجِزْ أَنْ يُعَارِضَ عِلَلَهُمْ بِمِثْلِهَا، أَوْ بِأَقْوَى مِنْهَا؟ فَنَقُولُ لِجَمِيعِهِمْ: أَخْبِرُونَا عَمَّنْ شَهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ بِأَنَّهُ سَرَقَ بَقَرَةً حَمْرَاءَ، وَقَالَ الْآخَرُ: بَيْضَاءَ - وَعَمَّنْ شَهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ بِأَنَّهُ قَذَفَ زَيْدًا، وَقَالَ أَحَدُهُمَا: أَمْسِ، وَقَالَ الْآخَرُ: بَلْ الْيَوْمَ - أَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا: شَرِبَ خَمْرًا أَمْسِ، وَقَالَ الْآخَرُ: بَلْ الْيَوْمَ - أَهَذِهِ الشَّهَادَةُ عَلَى سَرِقَةٍ وَاحِدَةٍ؟ أَوْ عَلَى سَرِقَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ؟ وَعَلَى قَذْفٍ وَاحِدٍ، أَمْ عَلَى قَذَفَيْنِ مُتَغَايِرَيْنِ؟ وَعَلَى شُرْبٍ وَاحِدٍ، أَمْ عَلَى شُرْبَيْنِ مُفْتَرِقَيْنِ؟ فَإِنْ قَالُوا: بَلْ عَلَى سَرِقَةٍ وَاحِدَةٍ، وَشُرْبٍ وَاحِدٍ، وَقَذْفٍ وَاحِدٍ، كَابَرُوا الْعِيَانَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَشُكُّ ذُو حِسٍّ سَلِيمٍ فِي أَنَّ شُرْبَ يَوْمِ الْخَمِيسِ لَيْسَ هُوَ شُرْبَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ شُرْبٌ آخَرُ - وَأَنَّ سَرِقَةَ بَقَرَةٍ صَفْرَاءَ لَيْسَتْ هِيَ سَرِقَةُ بَقَرَةٍ سَوْدَاءَ، وَإِنَّمَا هِيَ سَرِقَةٌ أُخْرَى؟ وَإِنْ قَالُوا: بَلْ هِيَ سَرِقَتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ، وَشُرْبَانِ مُخْتَلِفَانِ، وَقَذْفَانِ مُخْتَلِفَانِ مُتَغَايِرَانِ؟ قِيلَ لَهُمْ: فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الشَّهَادَاتِ بِزِنًا مُخْتَلِفٍ، أَوْ بِسَرِقَةِ ثَوْرٍ، أَوْ بَقَرَةٍ، أَوْ بِاخْتِلَافِ الشَّهَادَةِ فِي الْمَكَانِ - وَهَذَا مَا لَا سَبِيلَ لَهُمْ مِنْهُ إلَى التَّخَلُّصِ أَصْلًا، لَا بِنَصِّ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ وَلَا إجْمَاعٍ، وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا رَأْيٍ سَدِيدٍ - فَسَقَطَ بِيَقِينٍ قَوْلُ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْأَحْكَامِ الَّتِي ذَكَرْنَا، وَلَمْ يَبْقَ إلَّا قَوْلُ مَنْ سَاوَى بَيْنَهُمَا، فَرَاعَى الِاخْتِلَافَ فِي كُلِّ ذَلِكَ، أَوْ لَمْ يُرَاعِ الِاخْتِلَافَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَوَجَدْنَا مَنْ رَاعَى الِاخْتِلَافَ فِي كُلِّ ذَلِكَ يَقُولُ: إذَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015