وَإِنَّمَا صِرْنَا إلَى أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: جَالِسْ الْحَسَنَ، أَوْ ابْنَ سِيرِينَ: إبَاحَةٌ لِمُجَالَسَتِهِمَا مَعًا، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ: كُلْ خُبْزًا، أَوْ تَمْرًا أَيْضًا، وَلَا فَرْقَ - بِدَلِيلٍ أَوْجَبَ ذَلِكَ مِنْ حَالِ الْمُخَاطَبِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ الدَّلِيلُ لَمَا جَازَ إخْرَاجُ " أَوْ " عَنْ مَوْضُوعِهَا فِي اللُّغَةِ - أَصْلًا وَمَوْضُوعُهَا، إنَّمَا هُوَ التَّخْيِيرُ أَوْ الشَّكُّ - وَاَللَّهُ تَعَالَى لَا يَشُكُّ، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا التَّخْيِيرُ فَقَطْ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَوْ قَطَعَ الْقَاطِعُ يُسْرَى يَدَيْهِ، وَيُمْنَى رِجْلَيْهِ، لَمْ يُمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ، عَمْدًا فَعَلَهُ أَوْ غَيْرَ عَامِدٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَنُصَّ عَلَى قَطْعِ يُمْنَى يَدَيْهِ دُونَ يُسْرَى، وَإِنَّمَا ذَكَرَ تَعَالَى الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلَ فَقَطْ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] . وَمِنْ ادَّعَى هَاهُنَا إجْمَاعًا فَقَدْ كَذَبَ عَلَى جَمِيعِ الْأُمَّةِ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُوجِدَ ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَصْلًا، وَمَا نَعْلَمُهُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ التَّابِعِينَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.