المحلي بالاثار (صفحة 5205)

فِي النُّكْتَةِ الَّتِي عَلَيْهَا تَكَلَّمُوا - وَهِيَ الصَّلْبُ بَعْدَ الْقَتْلِ أَوْ قَبْلَهُ - وَسَقَطَ قَوْلُهُمْ، إذْ تَعَرَّى مِنْ الْبُرْهَانِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَا احْتَجَّتْ بِهِ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ الْمُوجِبَةُ قَتْلَهُ بَعْدَ الصَّلْبِ، فَوَجَدْنَاهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ الصَّلْبَ عُقُوبَةٌ وَخِزْيٌ فِي الدُّنْيَا، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى، وَإِنَّ الْمَيِّتَ لَا يُخْزَى فِي الدُّنْيَا بَعْدَ مَوْتِهِ، وَلَا يُعَاقَبُ بَعْدَ مَوْتِهِ: قَوْلًا صَحِيحًا لَا شَكَّ فِيهِ - وَوَجَدْنَاهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ الرَّدْعَ يَكُونُ بِصَلْبِهِ حَيًّا قَوْلًا أَيْضًا خَارِجًا عَنْ أُصُولِهِمْ، إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ إيجَابُ قَتْلِهِ بَعْدَ الصَّلْبِ، كَمَا قَالُوا، وَلَا إبَاحَةُ ذَلِكَ أَيْضًا - وَإِنَّمَا فِي كُلِّ مَا قَالُوهُ: إيجَابُ الصَّلْبِ فَقَطْ، فَأَقْحَمُوا فِيهِ الْقَتْلَ بَعْدَ الصَّلْبِ جَرْيًا عَلَى عَادَتِهِمْ، فِي التَّلْبِيسِ وَالزِّيَادَةِ بِالدَّعَاوَى الْكَاذِبَةِ، عَلَى النُّصُوصِ مَا لَيْسَ فِيهَا - فَبَطَلَ قَوْلُهُمْ أَيْضًا لِمَا ذَكَرْنَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَلَمَّا بَطَلَ الْقَوْلَانِ مَعًا وَجَبَ الرَّدُّ إلَى الْقُرْآنِ، وَالسُّنَّةِ، كَمَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59] فَفَعَلْنَا فَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى قَدْ قَالَ {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المائدة: 33] الْآيَةَ كُلَّهَا.

فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُوجِبْ قَطُّ عَلَيْهِمْ حُكْمَيْنِ مِنْ هَذِهِ الْأَحْكَامِ، وَلَا أَبَاحَ أَنْ يُجْمَعَ عَلَيْهِمْ خِزْيَانِ مِنْ هَذِهِ الْأَخْزَاءِ فِي الدُّنْيَا، وَإِنَّمَا أَوْجَبَ عَلَى الْمُحَارِبِ أَحَدَهَا لَا كُلَّهَا، وَلَا اثْنَيْنِ مِنْهَا، وَلَا ثَلَاثَةً

فَصَحَّ بِهَذَا يَقِينًا لَا شَكَّ فِيهِ: أَنَّهُ إنْ قُتِلَ فَقَدْ حَرُمَ صَلْبُهُ، وَقَطْعُهُ، وَنَفْيُهُ.

وَأَنَّهُ إنْ قُطِعَ، فَقَدْ حَرُمَ قَتْلُهُ، وَصَلْبُهُ، وَنَفْيُهُ.

وَأَنَّهُ إنْ نُفِيَ، فَقَدْ حَرُمَ قَتْلُهُ، وَصَلْبُهُ وَقَطْعُهُ وَأَنَّهُ إنْ صُلِبَ، فَقَدْ حَرُمَ قَتْلُهُ، وَقَطْعُهُ، وَنَفْيُهُ - لَا يَجُوزُ أَلْبَتَّةَ غَيْرُ هَذَا، فَحَرُمَ بِنَصِّ الْقُرْآنِ صَلْبُهُ إنْ قُتِلَ.

وَحَرُمَ أَيْضًا بِنَصِّ الْقُرْآنِ قَتْلُهُ إنْ صُلِبَ وَحَرُمَ هَذَا الْوَجْهُ أَيْضًا بِسُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّتِي ذَكَرْنَا مِنْ «إنَّ أَعَفَّ النَّاسِ قِتْلَةً

طور بواسطة نورين ميديا © 2015