بِأَشْنَعَ مِنْهُ، وَحَرَجٌ فِي الدِّينِ لَمْ يَجْعَلْهُ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ فِيهِ، وَلَا يُحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ فَرَّقَ هَذَا التَّفْرِيقَ قَبْلَ مَالِكٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ - فَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59] الْآيَةَ؟ فَفَعَلْنَا - فَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَوْجَبَ الْحَدَّ عَلَى مَنْ رَمَى أَحَدًا بِالزِّنَا، إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِبَيِّنَةٍ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي الَّتِي تَشْتَكِي بِإِنْسَانٍ: أَنَّهُ غَلَبَهَا عَلَى نَفْسِهَا؟ فَوَجَدْنَاهَا لَا تَخْلُو مِنْ أَنْ تَكُونَ قَاذِفَةً، أَوْ تَكُونَ غَيْرَ قَاذِفَةٍ، فَإِنْ كَانَتْ قَاذِفَةً فَالْحَدُّ وَاجِبٌ عَلَيْهَا بِلَا شَكٍّ، إذْ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ قَاذِفَ الْفَاسِقِ يَلْزَمُهُ الْحَدُّ، كَقَاذِفِ الْفَاضِلِ، وَلَا فَرْقَ. وَالْقَذْفُ هُوَ مَا قُصِدَ بِهِ الْعَيْبُ وَالذَّمُّ وَهَذِهِ لَيْسَتْ قَاذِفَةً إنَّمَا هِيَ مُشْتَكِيَةٌ مُدَّعِيَةٌ، وَإِذْ لَيْسَتْ قَاذِفَةً فَلَا حَدَّ لِلْقَذْفِ عَلَيْهَا، وَلَكِنْ تُكَلَّفُ الْبَيِّنَةَ، فَإِنْ جَاءَتْ بِهَا أُقِيمَ عَلَيْهِ حَدُّ الزِّنَا، وَإِنْ لَمْ تَأْتِ بِهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ أَصْلًا، لَا سِجْنَ، وَلَا أَدَبَ، وَلَا غَرَامَةَ؛ لِأَنَّ مَالَهُ مُحَرَّمٌ، وَبَشَرَتَهُ مُحَرَّمَةٌ، وَمُبَاحٌ لَهُ الْمَشْيُ فِي الْأَرْضِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا} [الملك: 15] . فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ فَاقْضُوا عَلَيْهِ بِالْيَمِينِ بِهَذَا الْخَبَرِ؟ قُلْنَا: وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ - إنَّ دَعْوَاهَا انْتَظَمَ حَقًّا لَهَا وَحَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى، لَيْسَ لَهَا فِيهِ دُخُولٌ وَلَا خُرُوجٌ؟ فَحَقُّهَا: التَّعَدِّي عَلَيْهَا وَظُلْمُهَا، وَحَقُّ اللَّهِ تَعَالَى: هُوَ الزِّنَا، فَوَاجِبٌ أَنْ يَحْلِفَ لَهَا فِي حَقِّهَا، فَيَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا تَعَدَّيْت عَلَيْك فِي شَيْءٍ، وَلَا ظَلَمْتُك وَتَبْرَأُ ذِمَّتُهُ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ مَا زَنَى؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ أَحَدًا لَا يَحْلِفُ فِي حَقٍّ لَيْسَ لَهُ فِيهِ مَدْخَلٌ. وَلَا يَخْتَلِفُ اثْنَانِ فِي أَنَّ مَنْ قَالَ: إنَّك غَصَبْتنِي وَزَيْدًا دِينَارًا، فَإِنَّهُ إنَّمَا يَحْلِفُ لَهُ فِي حَقِّهِ مِنْ الدِّينَارِ لَا فِي حَقِّ زَيْدٍ، وَهَكَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ. وَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ الذَّمِّ وَالشَّكْوَى، فَإِنَّهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِيمَنْ قَالَ لِآخَرَ - ابْتِدَاءً أَوْ فِي