أَشْبَهَ بِاللَّمَمِ مِمَّا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنْ الزِّنَى أَدْرَكَ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ فَزِنَى الْعَيْنَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَى اللِّسَانِ النُّطْقُ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ» ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَلَمْ يَجْعَلْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الزِّنَى إلَّا لِلْفَرْجِ فَقَطْ وَأَبْطَلَهُ عَنْ جَمِيعِ أَعْضَاءِ الْجِسْمِ - أَوَّلِهَا عَنْ آخِرِهَا - إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ فِيهَا الْفَرْجُ.
فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ النَّفْسَ وَالْقَلْبَ وَجَمِيعَ أَعْضَاءِ الْجَسَدِ، حَاشَ الْفَرْجَ لَا رَمْيَ فِيهَا، وَلَا قَذْفَ أَصْلًا، وَأَنَّهُ لَا رَمْيَ إلَّا لِلْفُرُوجِ فَقَطْ، فَإِذْ لَا شَكَّ فِي هَذَا وَلَا مِرْيَةَ، فَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] هِيَ بِلَا شَكٍّ " الْفُرُوجُ " الَّتِي لَا يَقَعُ " الرَّمْيُ " إلَّا عَلَيْهَا، لَا يَكُونُ الزِّنَى الْمَرْمِيُّ بِهِ إلَّا مِنْهَا؟
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إنَّ " الْمُحْصَنَاتِ " نَعْتٌ وَلَا يُفْرَدُ النَّعْتُ عَنْ ذِكْرِ الْمَنْعُوتِ؟
قُلْنَا: هَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ دَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ، لِأَنَّ الْقُرْآنَ وَأَشْعَارَ الْعَرَبِ مَمْلُوءٌ مِمَّا جَاءَ فِي ذَلِكَ، بِخِلَافِ هَذَا.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ} [الأحزاب: 35] .
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ} [الحديد: 18] . وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ مِمَّا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى النَّعْتَ دُونَ ذِكْرِ الْمَنْعُوتِ.
وَقَالَ الشَّاعِرُ:
وَلَا جَاعِلَاتِ الْعَاجِ فَوْقَ الْمَعَاصِمِ
فَذَكَرَ النَّعْتَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَنْعُوتَ وَمَا نَعْلَمْ نَحْوِيًّا مَنَعَ مِنْ هَذَا أَصْلًا، وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا هَذَا لِئَلَّا يُمَوِّهَ مُمَوِّهٌ.