المحلي بالاثار (صفحة 5055)

مُشِيرِينَ عَلَيْهِ بِرَأْيٍ رَاجِينَ أَنْ يَتْبَعَهُمْ فِيهِ، فَإِذْ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَلَيْسَ فِي الْآيَةِ بَيَانٌ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا مَعْرُوفِينَ بِأَعْيَانِهِمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدْرِي أَنَّهُمْ مُنَافِقُونَ، وَلَكِنَّهُمْ مَعْرُوفَةٌ صِفَاتُهُمْ جُمْلَةً، وَمِنْ صِفَاتِهِمْ بِلَا شَكٍّ إرَادَتُهُمْ أَنْ يَكُونَ كُلُّ النَّاسِ كُفَّارًا.

وَقَالَ تَعَالَى {إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} [الأنفال: 49] الْآيَةَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذَا أَيْضًا لَيْسَ فِيهِ بَيَانٌ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ مَعْرُوفُونَ بِأَعْيَانِهِمْ وَإِنَّمَا هُوَ خَبَرٌ عَنْ قَائِلِينَ قَالُوا ذَلِكَ.

وَقَالَ تَعَالَى {وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا} [الأحزاب: 13] ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا أَيْضًا مُمْكِنٌ أَنْ يَقُولَهُ يَهُودٌ، وَمُمْكِنٌ أَنْ يَقُولَهُ أَيْضًا قَوْمٌ مُسْلِمُونَ خَوَرًا وَجُبْنًا، وَإِذْ كُلُّ ذَلِكَ مُمْكِنٌ فَلَا يَجُوزُ الْقَطْعُ مِنْ أَجْلِ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَعْرِفُ أَنَّهُمْ مُنَافِقُونَ.

وَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ} [الأحزاب: 13] إلَى قَوْله تَعَالَى {وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولا} [الأحزاب: 15] فَإِنَّ هَذَا قَدْ رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ نَزَلَ فِي بَنِي حَارِثَةَ، وَبَنِي سَلَمَةَ - وَهُمْ الْأَفَاضِلُ الْبَدْرِيُّونَ الْأُحُدِيُّونَ - وَلَكِنَّهَا كَانَتْ وَهْلَةً فِي اسْتِئْذَانِهِمْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْخَنْدَقِ، وَقَوْلُهُمْ {إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ} [الأحزاب: 13] وَفِيهِمَا نَزَلَتْ {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا} [آل عمران: 122] . كَمَا نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ نا الْفَرَبْرِيُّ نا الْبُخَارِيُّ نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ

قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: سَمِعْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: فِينَا نَزَلَتْ {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا} [آل عمران: 122] قَالَ جَابِرٌ: نَحْنُ الطَّائِفَتَانِ بَنُو حَارِثَةَ وَبَنُو سَلَمَةَ.

قَالَ جَابِرٌ: وَمَا نُحِبُّ أَنَّهَا لَمْ تَنْزِلْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا} [آل عمران: 122] ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْآيَةِ أَنَّ هَذَا كُفْرٌ أَصْلًا، فَبَطَلَ التَّعَلُّقُ بِهَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وَقَالَ تَعَالَى {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ} [الأحزاب: 18] إلَى قَوْله تَعَالَى {وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} [النساء: 30] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015