المحلي بالاثار (صفحة 5037)

الْحَرْبِيِّينَ، وَأَطْلَقَ أَيْدِيَهُمْ عَلَى قَتْلِ مَنْ خَالَفَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ عَلَى أَخْذِ أَمْوَالِهِمْ، أَوْ سَبْيِهِمْ، فَإِنْ كَانَتْ يَدُهُ هِيَ الْغَالِبَةُ وَكَانَ الْكُفَّارُ لَهُ كَأَتْبَاعٍ، فَهُوَ هَالِكٌ فِي غَايَةِ الْفُسُوقِ، وَلَا يَكُونُ بِذَلِكَ كَافِرًا، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ شَيْئًا أَوْجَبَ بِهِ عَلَيْهِ كُفْرًا: قُرْآنٌ أَوْ إجْمَاعٌ، وَإِنْ كَانَ حُكْمُ الْكُفَّارِ جَارِيًا عَلَيْهِ فَهُوَ بِذَلِكَ كَافِرٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، فَإِنْ كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ لَا يَجْرِي حُكْمُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فَمَا نَرَاهُ بِذَلِكَ كَافِرًا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - وَإِنَّمَا الْكَافِرُ الَّذِي بَرِئَ مِنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الْمُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

[مَسْأَلَة التَّعْرِيف بالمنافقين والمرتدين]

2203 - مَسْأَلَةٌ: مَنْ الْمُنَافِقِينَ، وَالْمُرْتَدِّينَ؟ قَالَ قَوْمٌ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ عَرَفَ الْمُنَافِقِينَ، وَعَرَفَ أَنَّهُمْ مُرْتَدُّونَ كَفَرُوا بَعْدَ إسْلَامِهِمْ - وَوَاجَهَهُ رَجُلٌ بِالتَّجْوِيرِ، وَأَنَّهُ يُقَسِّمُ قِسْمَةً لَا يُرَادُ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ - وَهَذِهِ رِدَّةٌ صَحِيحَةٌ فَلَمْ يَقْتُلْهُ.

قَالُوا: فَصَحَّ أَنْ لَا قَتْلَ عَلَى مُرْتَدٍّ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ قَتْلٌ لَأَنْفَذَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمُنَافِقِينَ الْمُرْتَدِّينَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} [المنافقون: 1] إلَى قَوْله تَعَالَى {فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ} [التوبة: 87] .

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذَا كُلُّ مَا احْتَجُّوا بِهِ، وَنَحْنُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - ذَاكِرُونَ كُلَّ آيَةٍ تَعَلَّقَ بِهَا مُتَعَلَّقٌ فِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَرَّفَ الْمُنَافِقِينَ بِأَعْيَانِهِمْ، وَمُبِينُونَ - بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَأْيِيدِهِ - أَنَّهُمْ قِسْمَانِ: قِسْمٌ - لَمْ يُعَرِّفْهُمْ قَطُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -.

وَقِسْمٌ آخَرُ - افْتَضَحُوا، فَعَرَّفَهُمْ فَلَاذُوا بِالتَّوْبَةِ، وَلَمْ يُعَرِّفْهُمْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُمْ كَاذِبُونَ أَوْ صَادِقُونَ فِي تَوْبَتِهِمْ فَقَطْ.

فَإِذَا بَيَّنَّا هَذَا - بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى - بَطَلَ قَوْلُ مَنْ احْتَجَّ بِأَمْرِ الْمُنَافِقِينَ فِي أَنَّهُ لَا قَتْلَ عَلَى مُرْتَدٍّ، وَبَقِيَ قَوْلُ: مَنْ رَأَى الْقَتْلَ بِالتَّوْبَةِ.

وَأَمَّا إنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ، وَالْبُرْهَانُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ ذَلِكَ، فَنَقُولُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015