المحلي بالاثار (صفحة 4919)

هُوَ التَّصْدِيقُ بِالْقَلْبِ فَقَطْ، وَإِنْ أَعْلَنَ الْكُفْرَ، وَجَحَدَ النُّبُوَّةَ، وَصَرَّحَ بِالتَّثْلِيثِ، وَعَبَدَ الصَّلِيبَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، دُونَ تَقِيَّةٍ.

وَالْآخَرُ: مُحَمَّدُ بْنُ كِرَامٍ السِّجِسْتَانِيُّ، وَمَنْ اتَّبَعَهُ وَاقْتَدَى بِهِ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: الْإِيمَانُ التَّصْدِيقُ بِاللِّسَانِ فَقَطْ، وَإِنْ اعْتَقَدَ الْكُفْرَ بِقَلْبِهِ.

فَلَزِمَ الطَّائِفَةَ الْأُولَى: أَنَّ إبْلِيسَ مُؤْمِنٌ، وَأَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى الَّذِينَ حَارَبُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُؤْمِنُونَ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، لِأَنَّ كُلَّ هَؤُلَاءِ عَرَفُوا اللَّهَ تَعَالَى بِقُلُوبِهِمْ، وَعَرَفُوا صِحَّةَ نُبُوَّةِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقُلُوبِهِمْ، وَجَدُوهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ، وَالْإِنْجِيلِ، أَوْ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ تَعَالَى فِي إخْبَارِهِ بِصِحَّةِ عِلْمِ إبْلِيسِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَبِنُبُوَّةِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ -.

وَلَزِمَ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ الْمُنَافِقِينَ الَّذِي شَهِدَ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ النَّارِ مُؤْمِنُونَ، أَوْلِيَاءُ اللَّهِ تَعَالَى، مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ - وَهَذَا كُفْرٌ مُجَرَّدٌ.

وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ خَرْقٌ لِلْإِجْمَاعِ، وَمُخَالَفَةٌ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَيَلْزَمُ مَنْ قَالَ: إنَّ الْإِيمَانَ الْمُزَايِلَ لِلزَّانِي فِي حِينِ زِنَاهُ، وَلِلْقَاتِلِ فِي حِينِ قَتْلِهِ، وَلِلسَّارِقِ فِي حِينِ سَرِقَتِهِ، وَلِلْغَالِّ فِي حِينِ غُلُولِهِ، وَلِلشَّارِبِ فِي حِينِ شُرْبِهِ، وَلِلْمُنْتَهِبِ فِي حَالِ نُهْبَتِهِ: أَنَّهُ التَّصْدِيقُ أَنْ يَقُولَ: الْقَاتِلُ، وَالزَّانِي، وَالْغَالُّ، وَالْمُنْتَهِبُ، وَالشَّارِبُ: قَدْ بَطَلَ تَصْدِيقُهُمْ وَمَنْ بَطَلَ تَصْدِيقُهُ فَهُوَ كَافِرٌ.

فَيَلْزَمُهُ أَنْ لَا يُؤْخَذَ مِنْ أَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ زَكَاةٌ، وَلَا يُتْرَكَ يُصَلِّيَ فِي مَسْجِدٍ مَعَ الْمُسْلِمِينَ؛ وَلَا أَنْ يَدْخُلَ الْحَرَمَ، وَلَا أَنْ يَبْتَدِئَ نِكَاحَ مُسْلِمَةٍ، وَإِنْ مَاتَ لَهُ قَرِيبٌ فِي تِلْكَ الْحَالِ أَنْ لَا يَرِثَهُ - وَهَذَا خِلَافٌ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَمَنْ يَعْتَدُّ بِهِ بَعْدَهُمْ، وَهُمْ لَا يَقُولُونَ هَذَا - يَعْنِي مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَإِذْ لَمْ يُرِدْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الزَّانِيَ كَافِرٌ، وَلَا أَنَّ الْقَاتِلَ كَافِرٌ، وَلَا أَنَّ الْمُنْتَهِبَ كَافِرٌ، وَلَا أَنَّ الْغَالَّ كَافِرٌ، وَلَا أَنَّ الشَّارِبَ كَافِرٌ، وَلَا أَنَّ السَّارِقَ كَافِرٌ.

وَصَحَّ أَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا كُفَّارًا لَلَزِمَهُمْ مَا يَلْزَمُ الْمُرْتَدَّ عَنْ دِينِهِ مِنْ الْقَتْلِ، وَفِرَاقِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015