ثُمَّ أَتَى جُفَيْنَةَ - وَكَانَ نَصْرَانِيًّا - فَلَمَّا أَشْرَفَ لَهُ عَلَاهُ بِالسَّيْفِ فَضَرَبَهُ فَصَلَبَ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ - ثُمَّ أَتَى ابْنَةَ أَبِي لُؤْلُؤَةَ - جَارِيَةً صَغِيرَةً تَدَّعِي الْإِسْلَامَ - فَقَتَلَهَا، فَأَظْلَمَتْ الْأَرْضُ يَوْمَئِذٍ عَلَى أَهْلِهَا. - ثُمَّ أَقْبَلَ بِالسَّيْفِ صَلْتًا فِي يَدِهِ وَهُوَ يَقُولُ: وَاَللَّهِ لَا أَتْرُكُ فِي الْمَدِينَةِ سَبْيًا إلَّا قَتَلْته وَغَيْرَهُمْ؟ كَأَنَّهُ يُعَرِّضُ بِنَاسٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ، فَجَعَلُوا يَقُولُونَ لَهُ: أَلْقِ السَّيْفَ، فَأَبَى - وَيَهَابُونَهُ أَنْ يَقْرَبُوا مِنْهُ - حَتَّى أَتَاهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فَقَالَ: أَعْطِنِي السَّيْفَ يَا ابْنَ أَخِي؟ فَأَعْطَاهُ إيَّاهُ، ثُمَّ ثَارَ إلَيْهِ عُثْمَانُ فَأَخَذَ بِرَأْسِهِ، فَتَنَاصَبَا حَتَّى حَجَزَ النَّاسُ بَيْنَهُمَا. - فَلَمَّا وَلِيَ عُثْمَانُ قَالَ: أَشِيرُوا عَلَيَّ فِي هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي فَتَقَ فِي الْإِسْلَامِ مَا فَتَقَ - يَعْنِي عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ - فَأَشَارَ عَلَيْهِ الْمُهَاجِرُونَ أَنْ يَقْتُلَهُ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ النَّاسِ: قُتِلَ عُمَرَ بِالْأَمْسِ وَتُرِيدُونَ أَنْ تُتْبِعُوهُ ابْنَهُ الْيَوْمَ، أَبْعَدَ اللَّهُ الْهُرْمُزَانَ، وَجُفَيْنَةَ؟ فَقَامَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْفَاك أَنْ يَكُونَ هَذَا الْأَمْرُ وَلَك عَلَى النَّاسِ مِنْ سُلْطَانٍ، إنَّمَا كَانَ هَذَا الْأَمْرُ وَلَا سُلْطَانَ لَك، فَاصْفَحْ عَنْهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ: فَتَفَرَّقَ النَّاسُ عَلَى خُطْبَةِ عَمْرٍو، وَوَدَى عُثْمَانُ الرَّجُلَيْنِ وَالْجَارِيَةَ.
قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَأَخْبَرَنِي حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ أَبَاهُ قَالَ: فَيَرْحَمُ اللَّهُ حَفْصَةَ أَنْ كَانَتْ لِمَنْ شَيَّعَ عُبَيْدَ اللَّهِ عَلَى قَتْلِ الْهُرْمُزَانِ، وَجُفَيْنَةَ - قَالَ مَعْمَرٌ: قَالَ غَيْرُ الزُّهْرِيِّ: قَالَ عُثْمَانُ: أَنَا وَلِيُّ الْهُرْمُزَانِ، وَجُفَيْنَةَ، وَالْجَارِيَةِ، وَإِنِّي قَدْ جَعَلْتُهَا دِيَةً.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ بِإِسْنَادٍ لَا يَحْضُرُنِي الْآنَ ذِكْرُهُ: أَنَّ عُثْمَانَ أَقَادَ وَلَدَ الْهُرْمُزَانِ مِنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَأَنَّ وَلَدَ الْهُرْمُزَانِ عَفَا عَنْهُ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَأَيُّ ذَلِكَ كَانَ فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ لَمْ يَقْتُلْ مَنْ قَتَلَ فِي عَسْكَرِ أَهْلِ الْبَغْيِ، وَلَا فِي وَقْتٍ كَانَ فِيهِ بَاغٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ يُعْرَفُ فِي دَارِ الْهِجْرَةِ، وَمَحَلَّةِ الْجَمَاعَةِ وَصِحَّةِ الْأُلْفَةِ، وَفِي أَفْضَلِ عِصَابَةٍ وَأَعْدَلِهَا.
وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِهِمْ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا مَنْ قَتَلَ فِي عَسْكَرِ أَهْلِ الْبَغْيِ وَهُمْ