فَوَجَدْنَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا أَبُو الطَّاهِرِ نا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» . وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» . وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلْمُدَّعِي «بَيِّنَتُكَ أَوْ يَمِينُهُ لَيْسَ لَكَ إلَّا ذَلِكَ» .
قَالُوا: فَقَدْ سَوَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَيْنَ تَحْرِيمِ الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ، وَبَيْنَ الدَّعْوَى فِي الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ، وَأَبْطَلَ كُلَّ ذَلِكَ، وَلَمْ يَجْعَلْهُ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ أَوْ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ ذَلِكَ سَوَاءً لَا يَفْتَرِقُ فِي شَيْءٍ أَصْلًا: لَا فِي مَنْ يَحْلِفُ، وَلَا فِي عَدَدِ يَمِينٍ، وَلَا فِي إسْقَاطِ الْغَرَامَةِ، إلَّا بِالْبَيِّنَةِ وَلَا مَزِيدَ.
وَهَذَا كُلُّهُ حَقٌّ، إلَّا أَنَّهُمْ تَرَكُوا مَا لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ مِمَّا فَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى النَّاسِ إضَافَتَهُ إلَى مَا ذَكَرُوا، وَهُوَ أَنَّ الَّذِي حَكَمَ بِمَا ذَكَرُوا، وَهُوَ الْمُرْسَلُ إلَيْنَا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ الَّذِي حَكَمَ بِالْقَسَامَةِ، وَفَرَّقَ بَيْنَ حُكْمِهَا وَبَيْنَ سَائِرِ الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ الْمُدَّعَاةِ، وَلَا يَحِلُّ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ أَحْكَامِهِ وَتَرْكُ سَائِرِهَا، إذْ كُلُّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى، وَكُلُّهَا حَقٌّ، وَفَرَضَ الْوُقُوفَ عِنْدَهُ، وَالْعَمَلَ بِهِ وَلَيْسَ بَعْضُ أَحْكَامِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَوْلَى بِالطَّاعَةِ مِنْ بَعْضٍ، وَمَنْ خَالَفَ هَذَا فَقَدْ دَخَلَ تَحْتَ الْمَعْصِيَةِ، وَتَحْتَ قَوْله تَعَالَى {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} [البقرة: 85] .
وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ تَرَكَ حَدِيثَ «بَيِّنَتُكَ أَوْ يَمِينُهُ» لِحَدِيثِ الْقَسَامَةِ، وَبَيْنَ مَنْ تَرَكَ حَدِيثَ الْقَسَامَةِ لِتِلْكَ الْأَحَادِيثِ. فَإِنْ قَالُوا: الدِّمَاءُ حُدُودٌ، وَلَا يَمِينَ فِي الْحُدُودِ؟ قِيلَ لَهُمْ: مَا هِيَ مِنْ الْحُدُودِ؛ لِأَنَّ الْحُدُودَ لَيْسَتْ مَوْكُولَةً إلَى اخْتِيَارِ أَحَدٍ - إنْ