إجْمَاعٍ، وَلَا نَصَّ وَلَا إجْمَاعَ فِي إيجَابِ الْغُرْمِ عَلَى نِسَاءِ الْقَوْمِ فِي الدِّيَةِ الَّتِي تَغْرَمُهَا الْعَاقِلَةُ.
ثُمَّ نَظَرْنَا فِي الْفُقَرَاءِ، فَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] .
وَ {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: 7] إلَى قَوْلِهِ: {إِلا مَا آتَاهَا} [الطلاق: 7] .
فَهَذَا عُمُومٌ فِي كُلِّ نَفَقَةٍ فِي بِرٍّ، يُكَلَّفُهَا الْمَرْءُ، لَا يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ بِهَذَا الْحُكْمِ نَفَقَةٌ - دُونَ نَفَقَةٍ - لِأَنَّهَا قَضِيَّةٌ قَائِمَةٌ بِنَفْسِهَا، فَلَا يَحِلُّ الْقَطْعُ لِأَحَدٍ: بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ مَا قَبْلَهَا خَاصَّةً فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ الْفُقَرَاءَ خَارِجُونَ مِمَّا تُكَلَّفُهُ الْعَاقِلَةُ.
ثُمَّ نَظَرْنَا فِي الصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ، فَوَجَدْنَا اسْمَ " عَصَبَةٍ " يَقَعُ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ نَجِدْ نَصًّا وَلَا إجْمَاعًا عَلَى إخْرَاجِهِمْ عَنْ هَذِهِ الْكُلْفَةِ، بَلْ قَدْ وَجَدْنَا أَحْكَامَ غَرَامَاتِ الْأَمْوَالِ تَلْزَمُهُمْ، كَالزَّكَاةِ الَّتِي قَدْ صَحَّ النَّصُّ بِإِيجَابِهَا عَلَيْهِمْ، وَأَجْمَعَ الْحَاضِرُونَ مِنْ الْمُخَالِفِينَ مَعَنَا عَلَى أَنَّ زَكَاةَ مَا أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ، وَالثِّمَارِ عَلَيْهِمْ، وَأَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَلَيْهِمْ، وَأَنَّ النَّفَقَاتِ عَلَى الْأَوْلِيَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ عَلَيْهِمْ.
وَلَمْ نَحْتَجَّ بِهَذَا لِأَنْفُسِنَا، لَكِنْ عَلَى الْمُخَالِفِينَ لَنَا، لِأَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ قِيَاسٍ، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى وُجُوبِ كُلِّ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي أَمْوَالِ الصِّبْيَانِ، وَالْمَجَانِينِ، فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ لُزُومِ النَّفَقَاتِ وَالزَّكَوَاتِ لَهُمْ، وَبَيْنَ لُزُومِ الدِّيَةِ مَعَ سَائِرِ الْعَصَبَةِ لَهُمْ؟ لَا سِيَّمَا وَهُمْ يَرَوْنَ الدِّيَةَ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، إذَا قَتَلَ، وَيَرَوْنَ أُرُوشَ الْجِرَاحَاتِ عَلَيْهِمْ أَيْضًا - وَهَذَا تَنَاقُضٌ لَا خَفَاءَ بِهِ؟ فَإِنْ قَالُوا: فَأَنْتُمْ لَا تَرَوْنَ الدِّيَةَ عَلَيْهِمْ وَلَا عَنْهُمْ فِيمَا جَنَوْهُ، ثُمَّ تَرَوْنَهَا عَلَيْهِمْ فِيمَا جَنَاهُ غَيْرُهُمْ؟ قُلْنَا نَعَمْ؛ لِأَنَّنَا لَا نَقُولُ بِالْمَقَايِيسِ فِي الدِّينِ، وَلَا أَنَّ الشَّرِيعَةَ مَوْضُوعَةٌ عَلَى مَا تُوجِبُهُ الْآرَاءُ، بَلْ نَكْفُرُ بِهَذَا الْقَوْلِ، وَنَبْرَأُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْهُ.
وَقَدْ وَجَدْنَا الْقَاتِلَ يَقْتُلُ عَدَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ ظُلْمًا فَيَعْفُو عَنْهُ أَوْلِيَاؤُهُمْ، فَيُحَرَّمُ