وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: إنْ قَتَلَ رَجُلٌ عَبْدًا خَطَأً فَهُوَ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَإِنْ قَتَلَ دَابَّةً خَطَأً فَهُوَ عَلَى عَاقِلَتِهِ.
وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ، وَالصَّلْتُ: أَنَّ رَجُلًا بِالْبَصْرَةِ رَمَى إنْسَانًا ظَنَّ أَنَّهُ كَلْبٌ فَقَتَلَهُ، فَإِذَا هُوَ إنْسَانٌ؟ فَلَمْ يَدْرِ النَّاسُ مَنْ قَاتِلُهُ، فَجَاءَ عَدِيُّ بْنُ أَرْطَاةَ فَأَخْبَرَهُ: أَنَّهُ قَتَلَهُ فَسَجَنَهُ، وَكَتَبَ فِيهِ إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَكَتَبَ إلَيْهِ: إنَّك بِئْسَ مَا صَنَعْت إذْ سَجَنْتَهُ وَقَدْ جَاءَ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ، فَخَلِّ سَبِيلَهُ وَاجْعَلْ دِيَتَهُ عَلَى الْعَشِيرَةِ.
وَزَعَمَ الصَّلْتُ: أَنَّهُ مِنْ الْأَزْدِ - الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ - وَأَنَّ الْقَاتِلَ كَانَ عَاسًّا يَعُسُّ.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: الْعَبْدُ تَحْمِلُ قِيمَتَهُ الْعَاقِلَةُ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِيمَا احْتَجَّتْ بِهِ كُلُّ طَائِفَةٍ لِنَعْلَمَ الْحَقَّ فَنَتَّبِعَهُ: فَنَظَرْنَا فِيمَا احْتَجَّ بِهِ مَنْ قَالَ: لَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا، وَلَا عَبْدًا، وَلَا صُلْحًا، وَلَا اعْتِرَافًا؟ فَوَجَدْنَاهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ هَذَا قَوْلٌ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَلَا يُعْرَفُ لَهُمَا مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، إذْ لَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَا احْتَجَّ بِهِ أَهْلُ الْقَوْلِ الثَّانِي: فَوَجَدْنَاهُمْ يَذْكُرُونَ مَا رُوِيَ عَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ بَيْنَ قُرَيْشٍ وَالْأَنْصَارِ: لَا تَتْرُكُوا مُفْرَجًا أَنْ تُعِينُوهُ فِي فِكَاكٍ أَوْ عَقْلٍ» وَالْمُفْرِجُ: كُلُّ مَا لَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ - وَهَذَا مُرْسَلٌ يُوجِبُ أَنْ تُعِينَ الْعَاقِلَةُ فِيمَا لَمْ تَحْمِلْ جَمِيعَهُ - وَقَدْ رُوِيَ أَيْضًا مِنْ عُمَرَ كَمَا ذَكَرْنَا.
وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا حُجَّةَ عِنْدَنَا فِي مُرْسَلٍ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ فِيمَا احْتَجُّوا بِهِ حُجَّةٌ وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ ذَلِكَ، فَبَدَأْنَا بِالْعَمْدِ مَا أُلْزِمَ فِيهِ دِيَةٌ، أَوْ صُولِحَ فِيهِ، فَوَجَدْنَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» فَلَمْ يَجُزْ أَنْ نُكَلِّفَ عَاقِلَةً غَرَامَةً حَيْثُ لَمْ يُوجِبْهَا اللَّهُ تَعَالَى وَلَا رَسُولُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَلَمْ يُوجِبْهَا قَطُّ نَصٌّ ثَابِتٌ فِي الْعَمْدِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا تَحْمِلَ الْعَاقِلَةُ الْعَمْدَ، وَلَا الصُّلْحَ فِي الْعَمْدِ.