وَيَلْزَمُ الْعَافِيَ، فَإِنْ قَتَلَهُ الْمَأْمُورُ بِالْقَوَدِ بَعْدَ صِحَّةِ الْخَبَرِ عِنْدَهُ بِعَفْوِ الْوَلِيِّ فَهُوَ قَاتِلُ عَمْدٍ، أَوْ خَائِنُ عَهْدٍ، وَعَلَيْهِ الْقَوَدُ، وَكَذَلِكَ لَوْ جُنَّ الْآمِرُ وَلَا فَرْقَ، فَالْأَخْذُ بِالْقَوَدِ وَاجِبٌ، كَمَا أَمَرَ بِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
2138 - مَسْأَلَةٌ: مَنْ قَطَعَ ذَكَرَ خُنْثَى مُشْكِلٍ وَأُنْثَيَيْهِ؟ فَسَوَاءٌ قَالَ: أَنَا امْرَأَةٌ، أَوْ قَالَ: أَنَا ذَكَرٌ: الْقَوَدُ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّهُ عُضْوٌ يُسَمَّى ذَكَرًا وَأُنْثَيَيْنِ - وَكَذَلِكَ لَوْ قَطَعَتْ امْرَأَةٌ شَفْرَيْهِ وَلَا فَرْقَ.
وَمَنْ كَانَتْ لَهُ سِنٌّ زَائِدَةٌ أَوْ إصْبَعٌ زَائِدَةٌ فَقَطَعَهَا قَاطِعٌ اُقْتُصَّ لَهُ مِنْهُ، مِنْ أَقْرَبِ سِنٍّ إلَى تِلْكَ السِّنِّ، وَأَقْرَبِ إصْبَعٍ إلَى تِلْكَ الْإِصْبَعِ؛ لِأَنَّهَا سِنٌّ وَأُصْبُعٌ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَبْقَى الْمُقْتَصُّ مِنْهُ لَيْسَ لَهُ إلَّا أَرْبَعُ أَصَابِعَ، وَيَبْقَى لِمُقْتَصٍّ لَهُ خَمْسُ أَصَابِعَ، وَبَيْنَ أَنْ يُقْطَعَ مَنْ لَيْسَتْ لَهُ إلَّا السَّبَّابَةُ وَحْدَهَا - سَبَّابَةُ سَالِمِ الْأَصَابِعِ؟ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْقِصَاصَ فِي ذَلِكَ، وَيَبْقَى الْمُقْتَصُّ ذَا أَرْبَعِ أَصَابِعَ وَيَبْقَى الْمُقْتَصُّ مِنْهُ لَا أُصْبُعَ لَهُ، وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي الْأَسْنَانِ وَلَا فَرْقَ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
2139 - مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَإِذَا تَشَاحَّ الْأَوْلِيَاءُ فِي تَوَلِّي قَتْلِ قَاتِلِ وَلِيِّهِمْ؟ قِيلَ لَهُمْ: إنْ اتَّفَقْتُمْ عَلَى أَحَدِكُمْ أَوْ عَلَى أَجْنَبِيٍّ، فَذَلِكَ لَكُمْ وَإِلَّا أَقْرَعْنَا بَيْنَكُمْ، فَأَيُّكُمْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ تَوَلَّى الْقِصَاصَ - وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: بُرْهَانُ هَذَا: أَنَّهُ لَيْسَ بَعْضُهُمْ أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَوَلَّى الْقَوَدَ اثْنَانِ مَعًا، فَإِذْ لَا بُدَّ مِنْ أَحَدِهِمَا، أَوْ مِنْ غَيْرِهِمَا بِأَمْرِهِمَا - وَلَا سَبِيلَ إلَى ثَالِثٍ، فَأَمْرُ غَيْرِهِمَا بِالْقَوَدِ إسْقَاطٌ لِحَقِّهِمَا مَعًا فِي تَوَلِّي ذَلِكَ الْحُكْمِ، وَالْحُكْمُ هَاهُنَا بِالْقُرْعَةِ إسْقَاطٌ لِحَقِّ أَحَدِهِمَا، وَإِبْقَاءٌ لِحَقِّ الْآخَرِ - وَلَا يَجُوزُ إسْقَاطُ حَقُّ ذِي حَقٍّ إلَّا لِضَرُورَةٍ مَانِعَةٍ لَا سَبِيلَ مَعَهَا إلَى تَوْفِيَةِ الْحَقِّ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ سَقَطَ الْحَقُّ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119] .
وَنَحْنُ مُحَرَّمٌ عَلَيْنَا مَنْعُهُمَا مِنْ حَقِّهِمَا، وَنَحْنُ مُضْطَرُّونَ إلَى إسْقَاطِ حَقِّ أَحَدِهِمَا، إذْ لَا سَبِيلَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَلَسْنَا مُضْطَرِّينَ إلَى إسْقَاطِ حَقِّهِمَا جَمِيعًا فَلَا يَجُوزُ لَنَا مَا لَمْ نَضْطَرَّ إلَيْهِ فَقَدْ بَطَلَ أَنْ نَأْمُرَ غَيْرَهُمَا بِغَيْرِ رِضَاهُمَا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ نَقْصِدَ