أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَعْرِضْ لَهَا، وَكَانَتْ الرِّوَايَةُ لَوْ صَحَّتْ - وَهِيَ لَا تَصِحُّ - مُضْطَرِبَةً عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: مَرَّةً أَنَّهُ قَتَلَهَا، وَمَرَّةً أَنَّهُ لَمْ يَعْرِضْ لَهَا - فَلَوْ صَحَّتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَتَلَهَا، كَمَا قَدْ صَحَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَعْرِضْ لَهَا، لَكَانَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ ثَلَاثَةٍ أَوْجُهٍ لَا رَابِعَ لَهَا: إمَّا أَنْ تُتْرَكَ الرِّوَايَتَانِ مَعًا لِتَعَارُضِهِمَا؛ وَلِأَنَّ إحْدَاهُمَا وَهْمٌ، بِلَا شَكٍّ؛ لِأَنَّهَا قِصَّةٌ وَاحِدَةٌ، فِي امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، فِي سَبَبٍ وَاحِدٍ، وَيَرْجِعُ إلَى رِوَايَةِ مَنْ لَمْ يَضْطَرِبْ عَنْهُ، وَهُمَا: جَابِرٌ وَأَنَسٌ، اللَّذَانِ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَقْتُلْهَا - فَهَذَا وَجْهٌ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ أَنْ تَصِحَّ الرِّوَايَتَانِ مَعًا فَيَكُونَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَقْتُلْهَا إذْ سَمَّتْهُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهَا سَمَّتْهُ، فَتَصِحُّ هَذِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَتَكُونُ مُوَافِقَةً لِرِوَايَةِ جَابِرٍ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَيَكُونُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَتَلَهَا لِأَمْرٍ آخَرَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ.
أَوْ يَكُونُ الْحُكْمُ عَلَى وَجْهٍ ثَالِثٍ - وَهُوَ أَصَحُّ الْوُجُوهِ - وَهُوَ أَنَّ قَوْلَ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: قَتَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَوْلُهُ: لَمْ يَعْرِضْ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُمَا جَمِيعًا لَفْظُ أَبِي هُرَيْرَةَ، لَا يَبْعُدُ الْوَهْمُ عَنْ الصَّاحِبِ.
وَحَدِيثُ أَنَسٍ هُوَ لَفْظُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، وَلَا مِنْ خَلْفِهِ، وَلَا يُقِرُّهُ رَبُّهُ تَعَالَى عَلَى الْوَهْمِ، وَلَا عَلَى الْخَطَأِ فِي الدِّينِ أَصْلًا وَهَذَا أَنَّ إنْسَانًا ذَكَرَ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا تَقْتُلُهَا؟ فَقَالَ: لَا، فَهَذَا هُوَ الْمُغَلَّبُ الْمَحْكُومُ بِهِ الَّذِي لَا يَحِلُّ خِلَافُهُ - فَصَحَّ أَنَّ مَنْ أَطْعَمَ آخَرَ سُمًّا فَمَاتَ مِنْهُ: أَنَّهُ لَا قَوَدَ عَلَيْهِ، وَلَا دِيَةَ عَلَيْهِ، وَلَا عَلَى عَاقِلَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَاشِرْ فِيهِ شَيْئًا أَصْلًا، بَلْ الْمَيِّتُ هُوَ الْمُبَاشِرُ فِي نَفْسِهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَنْ غَرَّ آخَرَ يُورِي لَهُ طَرِيقًا أَوْ دَعَاهُ إلَى مَكَان فِيهِ أَسَدٌ فَقَتَلَهُ.
وَقَدْ صَحَّ الْخَبَرُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُوجِبْ عَلَى الَّتِي سَمَّتْهُ وَأَصْحَابَهُ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ السُّمِّ بَعْضُهُمْ: قَوَدًا وَلَا دِيَةً - فَبَطَلَ النَّظَرُ مَعَ هَذَا النَّصِّ.
وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُطْلَقُ عَلَى مَنْ سَمَّ طَعَامًا لِآخَرَ، فَأَكَلَهُ ذَلِكَ الْمَقْصُودُ