المحلي بالاثار (صفحة 4765)

فَكَرِهَتْ أَنْ يَرَاهَا حُرٌّ مِنْ الصِّبْيَانِ - وَلَعَلَّهُ قَدْ قَارَبَ الْبُلُوغَ فَلَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ - وَرُؤْيَةُ الْعَبِيدِ لَهَا مُبَاحٌ، وَنَفْشُ الصُّوفِ لَا يُطِيقُهُ إلَّا مَنْ لَهُ قُوَّةٌ مِنْ الْغِلْمَانِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - وَلَا نَقْطَعُ بِهَذَا أَيْضًا إلَّا أَنَّنَا نَقْطَعُ أَنَّهُ لَيْسَ خَبَرُهَا هَذَا مِنْ حُكْمِ التَّضْمِينِ؟ .

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الَّذِي لَمْ يَصِحَّ عَنْ صَاحِبٍ فِي هَذَا الْبَابِ شَيْءٌ غَيْرُهُ، فَوَجَدْنَاهُ حَدَّ مِقْدَارَ الصَّبِيِّ فِي ذَلِكَ بِخَمْسَةِ أَشْبَارٍ - وَقَدْ خَالَفَهُ الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ فِي ذَلِكَ، وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَحْتَجُّوا عَلَى خُصُومِهِمْ بِقَوْلٍ قَدْ خَالَفُوهُ هُمْ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَبَقِيَتْ الْأَقْوَالُ غَيْرُهَا، وَهِيَ تَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا - تَضْمِينُ مَنْ اسْتَعَانَ عَبْدًا أَوْ صَغِيرًا بِغَيْرِ إذْنِ أَهْلِهِمَا وَتَرْكُ تَضْمِينِهِ، إنْ اسْتَعْنَاهُمَا بِإِذْنِ أَهْلِهِمَا.

وَالثَّانِي - تَضْمِينُهُ كَيْفَمَا اسْتَعَانَهُمَا بِإِذْنِ أَهْلِهِمَا، أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِمَا.

وَالثَّالِثُ - قَوْلُ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ الْعَبْدَ الْكَبِيرَ لَا يَضْمَنُ مَنْ اسْتَعَانَهُ، لَكِنْ مَنْ اسْتَعَانَ الصَّغِيرَ ضَمِنَ.

ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابِهِ، فَوَجَدْنَاهُ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ؛ لِأَنَّهُ فَرَّقَ فِي الصَّغِيرِ يُغْصَبُ بَيْنَ أَنْ يَمُوتَ حَتْفَ أَنْفِهِ، أَوْ بِحُمَّى، أَوْ فَجْأَةً، فَلَا يَضْمَنُ غَاصِبُهُ شَيْئًا، وَبَيْنَ أَنْ يَمُوتَ بِصَاعِقَةٍ تَحْرِقُهُ، أَوْ حَيَّةٍ تَنْهَشُهُ فَيَضْمَنُ دِيَتَهُ - وَهَذَا عَجَبٌ لَا نَظِيرَ لَهُ.

وَهَذَا قَوْلٌ لَا يَعْضُدُهُ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ وَلَا مُسْتَقِيمَةٌ، وَلَا إجْمَاعٌ، وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ، وَلَا قِيَاسٌ، وَلَا رَأْيٌ سَدِيدٌ، وَلَا مَعْقُولٌ، وَلَا احْتِيَاطٌ - وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ هَذَا الْقَوْلَ قَبْلَهُ، وَهَذَا مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ - فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ بِلَا مِرْيَةٍ.

ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ فَوَجَدْنَاهُ أَيْضًا خَطَأً؛ لِأَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ اسْتِعَانَةِ الصَّغِيرِ وَالْعَبْدِ فِي الْأَمْرِ ذِي الْبَالِ فَيَضْمَنُ، وَمَنْ اسْتَعَانَهُمَا فِي الْأَمْرِ غَيْرِ ذِي الْبَالِ فَلَا يَضْمَنُ - وَهَذَا أَيْضًا تَقْسِيمٌ لَا يُؤَيِّدُهُ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ، وَلَا سَقِيمَةٌ، وَلَا إجْمَاعٌ، وَلَا قَوْلُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015