المحلي بالاثار (صفحة 4583)

فِي " بَابِ يَدِ الْأَقْطَعِ، وَسَمْعِ ذِي الْأُذُنِ الْوَاحِدَةِ " وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ.

فَإِنْ قَالُوا: إنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ، لِأَنَّ عَيْنَ الْأَعْوَرِ - هِيَ بَصَرُهُ كُلُّهُ - فَالْوَاجِبُ فِي ذَلِكَ مَا يَجِبُ فِي الْبَصَرِ كُلِّهِ؟ قُلْنَا لَهُمْ: هَذَا يَبْطُلُ عَلَيْكُمْ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ إنْ كَانَ كَمَا تَقُولُونَ فَيَجِبُ عَلَيْكُمْ أَنْ تُقِيدُوهُ مِنْ عَيْنَيْ الصَّحِيحِ مَعًا، لِأَنَّهُ بَصَرٌ بِبَصَرٍ، لَا عَلَى قَوْلِكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَقُولُونَ ذَلِكَ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ يُقَالُ لَكُمْ: وَسَمْعُ ذِي الْأُذُنِ الْوَاحِدَةِ الصَّمَّاءِ هُوَ سَمْعُهُ كُلُّهُ، وَهُوَ لَهُ أَنْفَعُ وَأَقْوَى، وَأَقْرَبُ مِنْ تَمَامِ السَّمْعِ مِنْ عَيْنِ الْأَعْوَرِ، فَإِنَّ الْأَعْوَرَ لَا يَرَى إلَّا مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَطْ، فَإِنَّمَا هُوَ نِصْفُ بَصَرِهِ، وَكَذَلِكَ يَدُ الْأَقْطَعِ هِيَ مَحَلُّ تَصَرُّفِهِ، وَرِجْلُ الْأَقْطَعِ أَيْضًا، فَاجْعَلُوا فِي كُلِّ ذَلِكَ دِيَةً، وَأَنْتُمْ لَا تَفْعَلُونَ ذَلِكَ؟

وَوَجْهٌ ثَالِثٌ: وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى أَصْلِكُمْ هَذَا أَنْ تُقِيدُوا ذَا عَيْنَيْنِ فَقَأَ إحْدَاهُمَا أَعْوَرُ فَأَنْتُمْ تُقِيدُونَ مِنْ الْأَعْوَرِ، وَلَا إجْمَاعَ فِي هَذَا، فَقَدْ أَقَدْتُمْ بَصَرًا كَامِلًا بِنِصْفِ بَصَرٍ؟ وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي عِيَاضٍ: أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ قَضَى فِي رَجُلٍ أَعْوَرَ فَقَأَ عَيْنَ صَحِيحٍ قَالَ: لَا قَوَدَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ دِيَةُ عَيْنِهِ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: لَا يُقَادُ مِنْ الْأَعْوَرِ وَعَلَيْهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ وَإِنْ كَانَ عَمْدًا - وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قُلْت لِعَطَاءٍ: الْأَعْوَرُ يُصِيبُ عَيْنَ إنْسَانٍ عَمْدًا أَيُقَادُ مِنْهُ؟ قَالَ: مَا أَرَى أَنْ يُقَادَ مِنْهُ، أَرَى لَهُ الدِّيَةَ وَافِيَةً وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عِيَاضٍ أَنَّ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ اجْتَمَعَا عَلَى أَنَّ الْأَعْوَرَ إذَا فَقَأَ عَيْنَ آخَرَ فَعَلَيْهِ مِثْلُ دِيَةِ عَيْنَيْهِ.

وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: أَقَامَ اللَّهُ تَعَالَى الْقِصَاصَ فِي كِتَابِهِ الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَقَدْ عُلِمَ هَذَا، فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَكُنْ لِيَنْسَى شَيْئًا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015