المحلي بالاثار (صفحة 4561)

وَلَئِنْ كَانَ قِيَاسُ إيجَابِ الدِّيَةِ أَوْ بَعْضِهَا فِيمَا دُونَ النَّفْسِ عَلَى وُجُوبِ ذَلِكَ فِي النَّفْسِ حَقًّا فَإِنَّ قِيَاسَ إيجَابِ الْكَفَّارَةِ أَوْ بَعْضِهَا فِيمَا دُونَ النَّفْسِ عَلَى وُجُوبِ ذَلِكَ فِي النَّفْسِ لَحَقٌّ.

وَلَئِنْ كَانَ أَحَدُ الْقِيَاسَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ بَاطِلًا لَا يَجُوزُ فَإِنَّ الْقِيَاسَ الْآخَرَ بَاطِلٌ لَا يَجُوزُ، وَهَذَا مَا لَا خَفَاءَ بِهِ عَنْ نَاصِحٍ لِنَفْسِهِ، لَا سِيَّمَا وَالْكَفَّارَةُ أَوْجَبُ وَأَوْكَدُ مِنْ الدِّيَةِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُوجِبْ الدِّيَةَ فِي الْقُرْآنِ إلَّا وَقَدْ أَوْجَبَ مَعَهَا الْكَفَّارَةَ، وَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى الْكَفَّارَةَ وَأَسْقَطَ الدِّيَةَ. قَالَ تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلا أَنْ يَصَّدَّقُوا} [النساء: 92] ثُمَّ قَالَ تَعَالَى {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] فَأَوْجَبَ تَعَالَى الْكَفَّارَةَ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ الَّذِي ذُكِرَ فِي الْقُرْآنِ فَأَوْجَبَ الدِّيَةَ فِي مَوْضِعَيْنِ، وَأَسْقَطَ تَعَالَى فِي الْمَوْضِعِ الثَّالِثِ.

فَإِنْ قَالُوا: إنَّ الْإِجْمَاعَ قَدْ صَحَّ عَلَى إسْقَاطِ الْكَفَّارَةِ فِي ذَلِكَ؟ قُلْنَا لَهُمْ: إذَا صَحَّ هَذَا، فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ قَدْ أَبْطَلَ هَذَا الْقِيَاسَ فَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ أَصْلًا فِي الدِّيَةِ، وَلَا فِي الْكَفَّارَةِ، إذْ هُوَ كُلُّهُ قِيَاسٌ وَاحِدٌ وَبَابٌ وَاحِدٌ.

وَأَيْضًا: فَإِنَّ جُمْهُورَكُمْ لَا يُوجِبُونَ الْكَفَّارَةَ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ، وَلَمْ يَأْتِ إجْمَاعٌ بِإِسْقَاطِهَا، فَقَدْ تَرَكْتُمْ الْقِيَاسَ فِي هَذَا الْمَكَانِ دُونَ أَنْ يَمْنَعَ مِنْهُ إجْمَاعٌ.

وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُوجِبْ دِيَةً فِي كُلِّ قَتْلٍ خَطَأٍ، بَلْ قَدْ جَاءَ قَتْلُ الْمُؤْمِنِ خَطَأً وَهُوَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَنَا، وَلَا دِيَةَ فِيهِ، فَمِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَكُمْ الْحُكْمُ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْقَتْلِ الَّذِي أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ دِيَةً دُونَ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْقِيَاسِ عَلَى الْقَتْلِ الَّذِي لَمْ يُوجِبْ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ دِيَةً؟ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ مَنْ قَالَ: بَلْ لَا تَجِبُ دِيَةٌ فِي شَيْءٍ مِمَّا دُونَ النَّفْسِ تُصَابُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015