وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ بِمَا رُوِيَ عَنْهُ مِنْ إبْدَالِ خَمْسِينَ دِينَارًا أَوْ خَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ مِنْ الْغُرَّةِ، وَلَمْ يَرَوْهُ دَيْنًا بِدَيْنٍ.
وَيَقُولُ الْحَنَفِيُّونَ فِيمَنْ تَزَوَّجَ عَلَى بَيْتٍ وَخَادِمٍ: أَنَّ لَهَا فِي الْبَيْتِ خَمْسِينَ دِينَارًا، أَوْ فِي الْخَادِمِ أَرْبَعِينَ دِينَارًا، وَلَمْ يَرَوْهُ دَيْنًا بِدَيْنٍ - وَمَا نَدْرِي نَصًّا مَنَعَ دَيْنًا بِدَيْنٍ أَصْلًا، إنَّمَا نَدْرِي النَّصَّ الثَّابِتَ الْمَانِعَ مِنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ؟ .
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: ثُمَّ نَقُولُ لِلطَّائِفَتَيْنِ: إنْ كَانَتْ الْآثَارُ السَّخِيفَةُ الَّتِي مَوَّهْتُمْ بِهَا حُجَّةً عِنْدَكُمْ فَإِنَّكُمْ قَدْ افْتَضَحْتُمْ فِي ذَلِكَ أَقْبَحَ فَضِيحَةٍ؛ لِأَنَّ بَعْضَهَا وَغَيْرَهَا قَدْ جَاءَتْ بِمَا خَالَفْتُمُوهُ، وَأَخَذَ بِهِ غَيْرُكُمْ مِنْ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ، كَمَا ذَكَرْنَا - كَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَالزُّهْرِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، الْقَائِلِينَ: بِأَنَّ الدِّيَةَ تَكُونُ مِنْ الْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ، وَالْحُلَلِ، كَمَا أَوْرَدْنَا قَبْلُ.
فَمِنْ ذَلِكَ - مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: سَمِعْتُ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ يُحَدِّثُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَضَ الدِّيَةَ فِي أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ مَا كَانَتْ، فَجَعَلَهَا فِي الْإِبِلِ مِائَةَ بَعِيرٍ، وَفِي الْبَقَرِ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ، وَفِي الْغَنَمِ أَلْفَيْ شَاةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ الذَّهَبَ، وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ الْوَرِقَ - وَجَعَلَ فِي الطَّعَامِ شَيْئًا لَمْ يَحْفَظْهُ» .
وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ مِائَةَ بَعِيرٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْحُلَلِ مِائَتَيْ حُلَّةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْبَقَرِ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الشَّاءِ أَلْفَيْ شَاةٍ.» وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَانَ عَقْلُهُ مِنْ الشَّاءِ فَأَلْفَا شَاةٍ» .
فَهَذِهِ مَرَاسِيلُ أَحْسَنُ مِمَّا ذَكَرْتُمْ، أَوْ مِثْلِهِ.
وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ: قَرَأْت عَلَى سَعِيدِ بْنِ يَعْقُوبَ الطَّالَقَانِيِّ: حَدَّثَكُمْ أَبُو تُمَيْلَةَ يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ أَنَا عَطَاءٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الدِّيَةَ عَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ مِائَةَ بَعِيرٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْحُلَلِ مِائَتَيْ حُلَّةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْبَقَرِ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الشَّاءِ أَلْفَيْ شَاةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الطَّعَامِ شَيْئًا لَا أَحْفَظُهُ» .