كَمَا أَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ قَالَ: أَنَا وَهْبُ بْنُ مَسَرَّةَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ أَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «إنَّ رَجُلًا طَعَنَ رَجُلًا بِقَرْنٍ فِي رُكْبَتِهِ فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَقِيدُ؟ فَقِيلَ لَهُ: حَتَّى تَبْرَأَ، فَأَبَى وَعَجَّلَ فَاسْتَقَادَ، فَعَنِتَتْ رِجْلُهُ وَبَرِئَتْ رِجْلُ الْمُسْتَقَادِ مِنْهُ، فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقِيلَ لَهُ: لَيْسَ لَك شَيْءٌ إنَّكَ أَبَيْتَ» .
فَصَحَّ أَنَّ تَعْجِيلَ الْقَوَدِ أَوْ تَأْخِيرَهُ إلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، فَهَذَا مَا مَوَّهُوا بِهِ مِنْ الْأَخْبَارِ.
وَاحْتَجُّوا مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ بِأَنْ قَالُوا: وَجَدْنَا مَنْ قَطَعَ يَدَ آخَرَ خَطَأً أَنَّهُ إنْ بَرِئَ فَلَهُ دِيَةُ الْيَدِ، وَإِنْ مَاتَ فَلَهُ دِيَةُ النَّفْسِ وَيَسْقُطُ حُكْمُ الْيَدِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْعَمْدُ كَذَلِكَ قِيَاسًا عَلَى الْخَطَأِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ لَا يَجُوزُ إلَّا عَلَى نَظِيرِهِ، لَا عَلَى خِلَافِهِ وَضِدِّهِ، وَالْعَمْدُ ضِدُّ الْخَطَأِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَاسَ عَلَيْهِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِالْقِيَاسِ، فَكَيْفَ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ؟ وَقَالُوا: يَلْزَمُكُمْ إنْ رَمَى إنْسَانٌ آخَرَ بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ أَنْ تَرْمُوهُ بِسَهْمٍ، فَإِنْ لَمْ يَمُتْ فَبِآخَرَ، ثُمَّ بِآخَرَ - وَكَذَلِكَ إنْ أَجَافَهُ أَنْ يُوَالِيَ عَلَيْهِ بِالْجَوَائِفِ حَتَّى يَمُوتَ - وَهَذَا أَكْثَرُ مِمَّا فَعَلَ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ؟ فَقُلْنَا: هَذَا تَمْوِيهٌ فَاسِدٌ، وَكَلَامٌ مُحَالٌ، بَلْ يُطْعَنُ بِسَهْمٍ مِثْلِهِ، فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي صَادَفَ فِيهِ سَهْمُهُ ظُلْمًا حَتَّى يَمُوتَ، وَكَذَلِكَ يُجَافِ بِجَائِفَةٍ مُوقَنٌ أَنَّهُ يَمُوتُ مِنْهَا - وَلَا فَرْقَ.
ثُمَّ نَعْكِسُ عَلَيْهِمْ هَذَا السُّؤَالَ، فَنَقُولُ لَهُمْ: إنْ ضُرِبَ بِالسَّيْفِ فِي عُنُقِهِ فَلَمْ يَقْطَعْ، أَوْ قَطَعَ قَلِيلًا فَأُعِيدَ عَلَيْهِ مِرَارًا - وَهَذَا أَشَدُّ مِمَّا قُلْتُمْ وَأَمْكَنُ - فَهُوَ أَمْرٌ مُشَاهَدٌ يَقَعُ كَثِيرًا جِدًّا.