المحلي بالاثار (صفحة 4487)

ثُمَّ لَوْ صَحَّ ذَلِكَ عَنْهُ لَكَانَ الْوَاجِبُ رَفْضَ رَأْيِهِ وَاطِّرَاحَهُ وَالْأَخْذَ بِرِوَايَتِهِ.

لِأَنَّهُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ مَوْثُوقٌ بِهِمْ فِي أَنَّهُمْ لَا يَكْذِبُونَ لِفَضْلِهِمْ غَيْرَ مَوْثُوقٍ بِهِمْ بِأَنَّهُمْ لَا يُخْطِئُونَ، بَلْ كُلُّ أَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيْرُ مَعْصُومٍ مِنْ الْخَطَأِ وَلَا بُدَّ، وَلَيْسَ يُخْطِئُ أَحَدٌ فِي الدِّينِ إلَّا لِمُخَالَفَةِ نَصِّ قُرْآنٍ، أَوْ نَصِّ سُنَّةٍ بِتَأْوِيلٍ مِنْهُ قَصَدَ بِهِ الْحَقَّ فَأَخْطَأَهُ - وَقَدْ أَفْرَدْنَا بَابًا ضَخْمًا فِي كِتَابِنَا الْمَوْسُومِ " بِالْإِعْرَابِ " فِيمَا أَخَذَ بِهِ الْحَنَفِيُّونَ مِنْ السُّنَنِ الَّتِي خَالَفَهَا مَنْ رَوَاهَا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَهَذَا مِنْ أَبْرَدِ مَا مَوَّهُوا بِهِ.

فَهَذَا مَا اعْتَرَضُوا بِهِ قَدْ أَوْضَحَنَا سُقُوطَ أَقْوَالِهِمْ فِيهِ.

وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِخَبَرِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ.

وَرَبِيعَةَ عَنْ ابْنِ الْبَيْلَمَانِيّ فَمُرْسَلَانِ وَلَا حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ.

فَإِنْ لَجُّوا: قُلْنَا لَهُمْ: دُونَكُمْ مُرْسَلًا مِثْلَهُمَا - أَنَا حُمَامُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ أَنَا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ أَنَا الدَّبَرِيُّ أَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَضَ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ قَتَلَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَرْبَعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَأَنَّهُ يُنْفَى مِنْ أَرْضِهِ إلَى غَيْرِهَا» .

وَذَكَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَضَى بِذَلِكَ.

وَأَمَّا قِصَّةُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَقَتْلُهُ الْهُرْمُزَانَ، وَجُفَيْنَةَ وَبِنْتَ أَبِي لُؤْلُؤَةَ - فَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ نَصٌّ، وَلَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَحَدًا قَالَ بِقَتْلِ جُفَيْنَةَ -: فَبَطَلَ بِذَلِكَ دَعْوَاهُمْ.

وَصَحَّ أَنَّهُ إنَّمَا طُولِبَ بِدَمِ الْهُرْمُزَانِ فَقَطْ، وَكَانَ مُسْلِمًا - وَلَا خِلَافَ فِي الْقَوَدِ لِلْمُسْلِمِ مِنْ الْمُسْلِمِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقْحَمَ فِي الْخَبَرِ مَا لَيْسَ فِيهِ بِغَيْرِ نَصٍّ وَلَا إجْمَاعٍ.

وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِأَنَّهُ كَمَا يَجِبُ قَطْعُ يَدِ الْمُسْلِمِ إذَا سَرَقَ مَالَ ذِمِّيٍّ، فَكَذَلِكَ يَجِبُ قَتْلُهُ بِهِ، فَقِيَاسٌ فَاسِدٌ، وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ - ثُمَّ لَوْ صَحَّ الْقِيَاسُ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّ الْقَوَدَ، وَالْقِصَاصَ لِلْمُسْلِمِ مِنْ الذِّمِّيِّ حَقٌّ لِلذِّمِّيِّ عِنْدَهُمْ، لَهُ طَلَبُهُ، وَلَهُ تَرْكُهُ وَالْعَفْوُ عَنْهُ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015